محمد تكناوي . لا مراء في كون سبل التحديث والعصرنة لا تستقيم الا بتركيز قيم التسامح واحترام التعددية والمصالحة مع الذات ومع الاخر، و ضمن اولى الخطوات في هذا الاتجاه كانت المصالحة مع المكون العبري او اليهودي من خلال الاعتراف به رافدا من روافد الثقافة المغربية؛ وهكذا نصت ديباجة الدستور المغربي لسنة 2011 عن كون المملكة المغربية دولة اسلامية ذات سيادة كاملة متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الاسلامية والامازيغية والصحراوية الحسانية والغنية بروافدها الافريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية. فدسترة هذا الرافد العبري باعتباره محطة اثراء واغناء وتلاقح للهوية المغربية والاعتراف به دفع في اتجاه ادراج جوانب من هذا المكون اليهودي ومن تاريخه بالمقررات التعليمية المغربية برسم السنة الدراسية الجارية بمناهج السنتين الأخيرتين من التعليم الابتدائي لمادة الاجتماعيات. وهذا المنحى تعزز ايضا بتوقيع اتفاقية بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ومركز الدراسات والبحوث في القانون العبري وجمعية الصويرة موغادور حول النهوض والتسامح والتعايش في التنوع بالمؤسسات التعليمية والجامعية، هذه الاتفاقية التي سيتم تنفيذها على مدى ثلاث سنوات 2021-2023 ، ومن بين اهم الاحكام التي تضمنتها بنودها مواكبة مركز الدراسات والبحوث في القانون العبري لأندية التسامح والتعايش في التنوع داخل المؤسسات التعليمية وتعزيز البرامج التربوية والثقافية والعلمية والبحثية الهادفة الى ابراز تمظهرات التنوع الثقافي المغربي، كما التزمت وزارة التربية الوطنية بمقتضاها بتعميم احداث هذه الاندية بكل المؤسسات التعليمية؛ و من المتوقع ان تلحق بهذه الاتفاقية الاطار برامج تعاقدية متعددة السنوات بين الاكاديميات الجهوية والمديريات الاقليمية التابعة لها . واعتبر العديد من المهتمين بالشأن العام ان هذه الاتفاقية غير مسبوقة والتي تتغيا تكريس ثقافة المصالحة مع هذا المكون بما ينطوي عليه من ابعاد تحيل على ثقافة التسامح والانفتاح، هي ايضا خطوة جريئة وشجاعة في مواجهة مخلفات عقود من الحقد والكراهية التي تراكمت في الأذهان والنفوس. وتفعيلا لمقتضيات تعليمات وزارية صارمة بهذا الشأن بعث بها أمزازي إلى مدراء الاكاديميات، قام مولاي احمد الكريمي مدير اكاديمية مراكش بتوجيه مراسلة للمدراء الاقليميين بالجهة يدعوهم فيها الى حث مديري المؤسسات التعليمية على احداث اندية للتسامح والتعايش في التنوع بفضاءاتها. وذلك في اطار تعزيز حوار الحضارات واحترام التنوع الثقافي وتفعيلا للترتيبات الدستورية المتعلقة بصيانة مقومات الهوية الوطنية المغربية الموحدة، و اكدت المراسلة على ضرورة موافاة مصالح الاكاديمية بمحاضر احداث هذه الاندية وبرامج عملها السنوي. وكذا الجدولة الزمكانية لزيارات التلاميذية والانشطة الاستكشافية لأندية التسامح والتعايش "لبيت الذاكرة" المتواجد بمدينة الصويرة. وللإشارة فبيت الذاكرة الذي تم تدشينه شهر يناير الماضي من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، هو فضاء تاريخي وثقافي وروحي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها، تمت اقامته على انقاض معبد يهودي قديم كان يدعى "دار غيثة" تم ترميمه ، وهو يحتوي فضاء بيداغوجيا ومتحفيا يحكي بالصورة والوثائق السمعية البصرية ذاكرة مدينة الصويرة وتاريخ الوجود اليهودي بها منذ القرن 18 إلى الآن، كما يضم فضاء مخصص لاحتضان مركز دولي للدراسات حول تاريخ الديانة اليهودية والاسلام في المغرب وفي دول اخرى.