بلغت ساحة جامع الفنا حدا لا يطاق من مظاهر الفوضى واحتلال الملك العام، ما يهدد إشعاعها الثقافي الممتد في عمق تاريخها العريق، بعد أن بدأت مظاهر الفرجة تندثر بفعل التشوهات التي لحقت بها واكتساح بعض معالم التمدن التي ما لبثت تزحف وتنهش كل أشكال العفوية والتلقائية. ويؤجج التنافس على احتلال الملك العام، غضب رواد الساحة. ففي الوقت الذي عمدت السلطات المحلية إلى تنظيم جلسات بيع المأكولات الشعبية، بأمر أصحابها بأداء مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم ونصف، وأضحت المطاعم ثابتة طيلة اليوم، بادر تجار سوق الجديد إلى الاحتجاج، بدعوى أن الجلسات المذكورة تعيق رواج تجارتهم، في الوقت الذي يحتل هؤلاء واجهات دكاكينهم لعرض مختلف أنواع البضائع، ما يعيق المرور باتجاه السوق المذكور . ويشتكي رواد الحلقات من الانتشار الكثيف لنقاشات الحناء، اللواتي يقتعدن كراسي قصيرة في انتظار الزبون، المتلهف على وشم بالحناء خصوصا النساء، في الوقت الذي يغادر بعض رواد الحلقات فضاءاتهم لملاحقة زوار الساحة قصد استجدائهم، كمروضي الأفاعي، وبعض فرق "كناوة"، إضافة إلى العديد من الباعة المتجولين، وبعض "الكرابة" الذين استغنوا عن بيع الماء الزلال وأضحوا كائنات فلكلورية تنتظر السائح لالتقاط صور بمقابل . يفاجأ زائر الساحة ليلا بلعب مضيئة تحلق عاليا، في الوقت الذي يعرض البعض سلعا قصديرية بها شموع مضيئة وسط الحلقات بجوار حلقة يوزع صاحبها على زبنائه عصيا لالتقاط قنينة مشروب غازي، في الوقت الذي امتلأت الجهة الشرقية بالباعة الجائلين و"الفراشة" وأصحاب العربات المجرورة، وأضحت محرمة على الحلقات التي تقلص حجمها كثيرا. ويبقى ممر "برانس" النموذج الحقيقي لاحتلال الملك العام، حيث يجد الزائر صعوبة بالغة في التنقل بالممر الخاص بالباعة الذين يعرضون سلعا متنوعة، منهم أفارقة يبيعون مجسمات وآخرون يعرضون هواتف محمولة من صنع صيني . عرصة "البيلك" التي ظلت لسنين طويلة تشكل الفضاء الأخضر الوحيد بالساحة، ظلت عرضة لمختلف تجارب المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي، حيث استقبلت الساحة في وقت سابق أكشاك بيع النعناع ومختلف الأعشاب، قبل أن يتم تبليطها، في الوقت الذي تشهد حاليا عملية ترميم وانتشار الحفر لمدة تزيد عن ستة أشهر. وكانت ساحة جامع الفنا إلى حدود بداية الثمانينات من القرن الماضي تحتضن محطة الناقلات، وكان بها طريق معبدة تربط ساحة الكتبية بمدخل السوق الكبير، بالإضافة إلى زنقة مولاي رشيد التي تحولت إلى ممر الراجلين، والطريق المقابل للسوق الجديد الذي يربط الساحة بمتاجر فحل الزفريتي، وكانت بها حلقات واسعة سواء لصاحب الدراجة الذي يقدم حركات بهلوانية، إضافة إلى حلقات "كناوة" بالطبول، وحلقة الشرقاوي، وغيرها من الحلقات الواسعة، وكانت تجارة المأكولات تتم في المساء، ناهيك عن سوق الكتب المستعملة بجوار مقر الشرطة القضائية، وبراريك بيع الطاقيات والفواكه الجافة، وظلت الساحة تستوعب جل روادها في تنسيق عفوي يضفي عليها جمالية يجد فيها الزوار والرواد متعة كبيرة، لكن تدخل المسؤولين عن الشأن المحلي بمدينة النخيل حولها لفضاء عشوائي يشتكي منه الزائر ورواد الساحة معا.