انتظرت مرور ثلاثة من أيام قبل أن أطلق سراح القلم، ليخط أول ركن من مراكش. عزيزي "برونو بارد"،بهذا الإيقاع لا يمكننا أن نتفق.. من اللازم أن أذكرك بما يقوم به المدراء الفنيون الحقيقيون في المهرجانات الكبرى،لأن الإدارة الفنية في مهرجان مراكش تشكل مكمن الخلل. دعنا ننأى قليلا عن النقاشات التافهة السائدة للأسف، و اقترب قليلاً لتسمع.. إلى حدود يوم أمس، أربعة أفلام عرضت في المسابقة على النجمة الذهبية، منها ما هو محتَرمٌ و محترِمٌ للسينما ومنها ما لا يستحق العبور من مسابقة رسمية لمهرجان دولي. المشكل لا يكمن في هذا التفصيل، بل في نقطة أخرى أكثر أهمية وتتمثل في أنه لحد الآن لم يقدم شريط واحد في عرضه الأول عندنا في مراكش. الأفلام الأربعة سبق وعرضت في أمكنة أخرى، وثلاثة منها مرت من البندقية وتورونتو ورابع لمخرج أفغاني سبق وقدم في مهرجان "بوزان" الكوري.
عزيزي "برونو بارد"، بهذا الإيقاع لا يمكننا أن نتفق..
مهرجان مراكش تجاوز منذ سنوات المرحلة الجنينية، وبالتالي كيف يمكننا أن نشجع صحفيا من "الهووليود ريپورتر" أو "سكرين" ليحضر و يشاهد، ما دامت الأفلام التي اختيرت في المسابقة عبرت من مسابقات أخرى في السالف من شهور؟ هو المعيار الأهم الذي يحكم به الخلق على المواعيد الدولية وأهمية هذه المواعيد الدولية، وحين يجلب المدير الفني لموعد ما شريطا يقدم لأول مرة، فهو يضمن متابعة أهل الاختصاص المحترمين للمهرجان. عيب كبير أن تجلب أفلاما قدمت في أمكنة أخرى، لأن قيمة المهرجان مرتبطة بالسبق السينمائي الذي تحققه والمتمثل في جلب افلام تعرض لأول مرة.
عزيزي "برونو بارد"، بهذا الإيقاع لا يمكن أن نتفق..
أربعة من أفلام في مسابقة مراكش، يتم اجترار عرضها وخارج المسابقة الرسمية أيضا أفلام ليست بالجديدة. حين أتكلم عن الفيلم الجديد، فالقصد هنا السبق الذي يحققه مهرجان ما وليس سنة إنتاجه. عمل أنهى صاحبه الاشتغال عليه ،وقدم في مهرجان دولي في شهر شتنبر الماضي، هو فيلم مستهلك بالنسبة لأهل الاختصاص الذين يعتد برأيهم. المهرجان الدولي يخلق الحدث ويخدم الفيلم الجديد، والاستفادة تكون متبادلة بين الاثنين. هذا ما لم يحدث لحد الآن هنا، و هذا الطلب سبق و ضمنته في أركان عديدة في دورات ماضية، و لم يفهم القصد ربما رغم حضور الإسهاب في الشرح.
عزيزي "برونو بارد"، بهذا الإيقاع لا يمكننا أن نتفق.. أخبر جيداً بأنه من العسير عليك أن تقنع "كين لوتش" و "كوينتين تارانتينو" و "جاك أوديار"، بمنحك فرصة العرض الأول لأفلامهم. وأعرف جيداً بأن لهم ارتباطات بمهرجانات كبيرة ومنها "كان" و "برلين" و "البندقية" و "تورونتو"، لكن هناك مخرجون آخرون كما رددت دائماً على المسامع يشتغلون بجدية و يحترمون هذا الفن، و موعد مراكش يمنحهم القوة لتحقيق الانطلاقة. هي فلسفة الموعد التي توفق فيها في كثير من دورات، تم خلالها جلب أسماء مغمورة تبهر، نجحت في تأكيد أحقيتها في دخول نادي الكبار فيما بعد مثل "بريانطي ماندوزا". أسماء تقدم عملها عندنا في عروض عالمية أولى، و هو ما لا يحصل الآن و لا يبدو بأنه سيحصل في ما تبقى من الرأسمال الزمني لدورة هذا العام. عزيزي "برونو بارد"،بهذا الإيقاع لا يمكننا أن نتفق.. إذا كنا سنجلب أفلاما قدمت في أمكنة أخرى، ألم يكن الأصح أن نضع شريطا مغربيا في المسابقة؟ على الأقل كنا سنعرضه عندنا للمرة الأولى، عوض تقديم شريط مستهلك لمخرج برماني عنوانه "الطريق إلى ماندالاي". شريط بطيء جداً، و بسيط بناء و حكياً و فيلم لمخرج من أصل أفغاني عنوانه "الرحيل" قدم في "بوزان" رشحته منذ مدة أفغانستان ليمثلها في الدور التمهيدي للأوسكار. لم يعبر للمرحلة الموالية بسبب رتابته، و سرده الخطي الذي يقتل موضوعه المهم جداً. كنت و لا زلت و سأبقى من أشد المدافعين على ضرورة وضع معايير واضحة لاختيار الأفلام في المسابقة الرسمية، و عندما أرى بأن ما يقدم هنا سبق و عرض في مهرجانات أخرى يعسر علي أن أقتنع. لا يمكنني نهائيا أن أقتنع، و المعني الأول بهذا الكلام هو المدير الفني للمهرجان و ركني اليوم موجه له و إن كنت بدوري أجتر نفس الكلام لأن هذا التوضيح حضر في الدورات الثلاث الأخيرة. غاب الرد و ألفت الوضع و تأقلمت معه، و الغيرة على المهرجان الأول في بلدي هي التي تحفز قلمي على الكتابة خصوصا عندما أتابع تحليلات غريبة و نقاشات غير مجدية على هامش المهرجان. من عادتي أنني أذكر بما أعرفه و أراه عند الخلق، و "برونو بارد" يخبر هذا المعطى جيداً ،لكن حين أتعب و أرهق، أغادر و أصمت. ما يزعج مخيخي عزيزي "برونو بارد" هو أنك تعرف كل هذه التفاصيل، و لا تتحرك بل و تصر على اتباع نفس طريقة الاشتغال التي تضر أكثر مما تنفع. لك و للجميع واسع النظر، و شكراً..