الحكومة المغربية بحاجة إلى تأمين تمويلات تصل قيمتها إلى 10.8 مليارات دولار العام المقبل، منها جزء سيأتي عبر الاستدانة، فيما من المتوقع تحقيق نمو اقتصادي بحدود 2.9%، بحسب المندوبية السامية للتخطيط وكذلك أرقام البنك الدولي. الحكومة مضطرة للاستدانة مجدداً العام المقبل، حيث تسعى، عبر الموازنة، إلى الحصول على تمويل مقداره 8 مليارات دولار، بينها 2.85 مليار دولار من أسواق المال الخارجية. يأتي ذلك فيما بلغ دين المغرب العام بنهاية غشت الماضي، 75.9 مليار دولار، منها حوالي 55.5 مليارا ديوناً داخلية. وكان من شأن ضعف النمو الاقتصادي وعدم توفير ما يكفي من إيرادات الجباية الضريبية من أجل مواجهة الإنفاق المتزايد، بخاصة على المشاريع العامة، أن أفضى إلى ارتفاع الديون، داخلية وخارجية، بحوالي 41 مليار دولار في الأعوام العشرة الأخيرة. الخبير المغربي في المالية العمومية، محمد الرهج، قال إن الحكومة ستكون مضطرة إلى الاستدانة، بعدما تجاوزت ديون الخزينة 65% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغت ديون المغرب الإجمالية بما فيها تلك المضمونة من الدولة لحساب الشركات التابعة للقطاع العام، نحو 81.6% من الناتج الإجمالي العام الماضي، وهي مرشحة للارتفاع إلى 82.3% نهاية هذه السنة. ويرى أن اللجوء إلى التمويل الداخلي والخارجي لا مفر منه في ظل وضع الموازنة، خصوصاً في ظل عدم إمكان اللجوء إلى الإصدار النقدي، الذي أوصى صندوق النقد الدولي بعدم استعماله منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويعتقد خبراء أن بنية مديونية المغرب تشير إلى غلبة الدين الداخلي، بما لا يشكل خطراً خارجياً على الاقتصاد الوطني، ما دامت الدولة هي التي تقود الاستثمار، كما أن الاقتراض من السوق الداخلي، يجنب الدولة مخاطر الارتهان إلى السوق الخارجي. وتعتبر الحكومة أنه يمكن تقليص المديونية إذا ما تم التحكم بعجز الموازنة الذي كانت تتوقع حصره في حدود 3.5% خلال العام الحالي، غير أن التوقعات الحالية تشير إلى أنه سيستقر في حدود 3.8%. وبالرغم من تأكيد الحكومة حرصها على عدم التطبيع مع عجز الموازنة والالتزام بضرورة تقليصه إلى 3%، إلا أنها تجد صعوبة كبيرة في إتمام هذا الأمر، بسبب هشاشة النمو وعدم الإحاطة بكل الضرائب التي يمكن تعبئتها. وتتوقع الحكومة في مسودة مشروع موازنة العام المقبل، عجزاً نسبته 3.7%، غير أنها تعتزم تخفيض النسبة إلى 3.3% بعد مصادقة مجلس الحكومة يوم الخميس الفائت، على إيرادات خصخصة تناهز 600 مليون دولار. وتوقعت المندوبية السامية في التخطيط، سابقاً، أن يبلغ عجز الموازنة في العام الحالي 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مرجّحة أن ينخفض إلى 3.6% العام المقبل. ونبّهت إلى ضرورة التحوّط من ارتفاع الدين العام الإجمالي، الذي من المتوقع أن تصل نسبته إلى 82.5% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، ثم إلى 83% عام 2020. الخازن العام للمملكة، نورالدين بنسودة، كان أشار في الآونة الأخيرة، إلى انخفاض الإيرادات الضريبية، لتمثل نحو 18.9% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017، بعدما كانت تراوح بين 19% و23% في المرحلة السابقة. كما أكد أن انخفاض الإيرادات الضريبة، واكبه انخفاض معدل تغطية النفقات بتلك الإيرادات، حيث تراجع من 85% عام 2008 إلى 73.6% سنة 2017. وسبق لوزير الاقتصاد والمالية السابق، محمد بوسعيد، أن أكد أنه في ظل تباطؤ الإصلاحات وثقل الأعباء في الموازنة وتكاليف التزامات البرنامج الحكومي، سيؤدي اختيار دعم الجانب الاجتماعي أو التزخيم الاقتصادي إلى صعوبات مالية. كذلك، شدّد بوسعيد على أن ذلك قد يُفضي إلى تعميق عجز الموازنة ومعدل مديونية الخزينة، ما سيطرح إشكالية التمويل وتأثير ذلك على أسعار الفائدة والنمو واستقرار الاقتصاد الكلي. وسبق لصندوق النقد الدولي أن أوصى المغرب بتسريع إصلاح النظام الضريبي، مؤكداً زيادة إيرادات الضريبة على القيمة المضافة، وخفض الإعفاءات التي تُمنح لبعض القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة، بموازاة تحسين التحصيل الضريبي من الذين يعملون لحسابهم الخاص أو يمارسون مهناً حُرة. غير أن خبراء مغاربة يرون أن تحقيق سيادة مالية حقيقية، يستدعي التحوّل إلى نظام ضريبي يُمكّن الدولة من تأمين إيرادات مالية أكبر، وهو أمر يبقى ممكناً ما دام المغرب قد تمكّن من تغطية 80% من الإنفاق خلال السنوات السابقة عبر تفعيل الجباية.