الإفطار في المنزل خلال شهر رمضان صورة نمطية راسخة لدى غالبية الأسر المراكشية، لكن هناك اسر أخرى تخرج عن هذه القاعدة وتفضل الإفطار خارج المنزل أو في الهواء الطلق كما هو الشأن بساحة جامع الفنا ساحة التراث العالمي والقلب النابض لمراكش. دقائق قليلة قبل آذان المغرب تدب بساحة جامع الفنا الحياة وينهمك أصحاب المطاعم المتنقلة بإعداد موائد الإفطار وتزيينها بما يلزم من مأكولات تتنوع بين التمر والحريرة والمعجنات والشباكية تلبية لحاجيات الوافدين الراغبين في اكتشاف سحر الساحة العالمية خلال الأجواء الرمضانية. من بين رواد مطاعم ساحة جامع الفناء زوار حطو الرحال بمدينة مراكش قبل إتمام الرحلة الى مدن أخرى، حيث تبقى الساحة بالنسبة لهؤلاء الوجهة المفضلة. شمس جامع الفنا لا تغيب في رمضان، هنا المطاعم الممتدة على مدى البصر، حيث تحظى هذه المطاعم المتنقلة والتي جرى تنظيمها وفق تصميم موحد، بإقبال متزايد للزوار من مختلف الأعمار، الذين يفضلون الإفطار بالساحة العالمية خلال هذا الشهر الفضيل بعد عرضها لأصناف متنوعة من وجبات الإفطار بكل مكوناتها التقليدية، وتتميز هذه المطاعم بطابعها الشعبي، كما أنها تثير فضول السياح الأجانب الذين يتصادف وجودهم بمدينة سبعة رجال خلال شهر الصيام. كانت الساعة تشير إلى التاسعة ليلا، المكان هادئ والحركة بدأت تدب في كل جنبات الساحة، الحلايقية بدأوا يؤثثون فضاءها، كل في مكانه، ينتظرون زبائنهم المعتادين، المطاعم مملوءة برواد موسميين تقطعت بهم السبل، ووجدوا فيها ما يؤنس وحشتهم، وينعش الأجساد بعد يوم طويل من الصيام. يقول عبد العزيز أحد العاملين بساحة جامع الفنا إن وجبات الإفطار تقدم للزبائن في جو يسوده الإخاء والتآزر الاجتماعي والحميمية، مشيرا إلى أن المطعم الذي يشتغل به يرتاده باستمرار ما بين80 إلى120 زبونا وأن هذا العدد يرتفع مع عطلة نهاية الأسبوع. مع حلول شهر رمضان المبارك تأخذ ساحة جامع الفنا، المصنفة تراثا شفويا عالميا من قبل منظمة اليونسكو، بعدا آخر يتمثل في الجانب التضامني أكثر ما هو ثقافي وفرجوي كما اعتاد عليه زوارها خلال الفترات الأخرى من السنة. خلال هذا الشهر الأبرك تصبح الساحة وجهة للمحسنين الراغبين في تنظيم إفطار جماعي للمحتاجين وأيضا وزوارها، حيث تتنافس الأيادي السخية في هذا العمل الخيري عبر تكليف الباعة المختصين في هذا المجال من داخل الساحة على تحضير وجبات الافطار يكون طابقها الرئيسي الشربة ( الحريرة). وتتحول ساحة جامع الفناء، في هذا الصدد، عند آذان المغرب الى مطعم كبير يستقبل أعدادا كبيرة من المحتاجين والراغبين في مشاركة هذه الفئة من المجتمع في فطورها والاستمتاع بلذات الأكلات المحضرة بعناية من قبل مختصين في جو يعمه التضامن والتكافل والاحترام. مع عصر كل يوم من أيام رمضان تدب في أحشاء الساحة العالمية حركة لا تتوقف من طرف أرباب المطاعم، الذين يحملون أمتعتهم المتمثلة في أواني الطبخ والمواد المستعملة، عبر عربات مجرورة ومدفوعة بالطاقة الجسدية، حيث يسوقها فردان أو أكثر، وهي ممتلئة عن آخرها، بما لذ وطاب، مستعينين بقنينات بلاستيكية كبيرة مملوءة بالمياه من أجل غسيل الأواني، يأتون في مجموعات او فرادى، هاهم ينطلقون من الأماكن القريبة جدا للساحة العالمية. وفي دقائق معدودات تصطف هذه المطاعم الشعبية المتنقلة المحاطة بكراسي مستطيلة أعدت للزبائن الذين يجدون أمامهم أصنافا متنوعة من المأكولات التي يزخر بها المطبخ المغربي. يقول عبد المنعم واحد من المدافعين على نمط الحياة في ساحة جامع الفنا، خلال لقائه ب"كش 24″ ساحة جامع الفنا تشهد حركة ونشاطا غير عاديين خاصة عند اقتراب موعد الإفطار، حيث يتقاطر الزوار من أجل اقتناء ما يلزم من الحاجيات الغذائية المفضلة لديهم لتزيين مائدة الإفطار وتنويع مأكولاتهم، في حين يعمل منظمو الحلقات على نسج ليال جديدة لا تختلف في صخبها وضجيجها عن سابقاتها في الأيام العادية. جامع الفنا ليست فقط مكانا للفرجة والأكل، إنها بساط جمع البسط، والتضامن والتآزر وقيم التسامح والرحمة باحتضانها عمليات فطور جماعية يستفيد منها المعوزون وعابرو السبيل وفاقدو المأوى، والزائرون المغاربة والأجانب للساحة الذين يفضلون الجلوس حول طاولة الافطار بإحدى المطاعم لتذوق أطباق متنوعة من الطبخ المغربي والمحلي. الفرجة في جامع الفنا، أو "جامع الربح"، كما يحلو للحلايقية تسميته، تمتد الى ساعات متأخرة من الليل، حيث يتحول هذا الفضاء الفرجوي خلال رمضان إلى أكبر مطعم في الهواء الطلق، مثل اكبر المسارح العالمية، إلا انه يختلف كثيرا عن هذه المرافق العمومية من حيث عفوية وقيم المحبة والتعايش لفنانيه ومقدمي الأكلات الشعبية، أو أكلات الشوارع بالمفهوم الغربي. الجانب التضامني يوازيه جانب آخر تجاري وسياحي، فالساحة العالمية قبلة للزوار الأجانب من أجل تذوق الأطباق المغربية، وتناول وجبة الإفطار داخل هذا الفضاء الشعبي المفعم بالحياة، وبعد الإفطار تمارس ساحة التراث العالمي بأنوارها وألوانها، إغرائها بجولة لاكتشاف سحر لياليها الرمضانية. هذه حالة جامع الفنا قبل وبعد أذان المغرب، طقس فرجوي ليلي يمتد إلى ساعات متأخرة، لكن بعد متم صلاة التراويح تعرف مختلف المحاور وشوارع المدينة الحمراء حركة خاصة مما يعطي لمراكش سحرا فريدا من نوعه ويساهم بشكل كبير في تنشيطها السوسيو الثقافي.