تحتل أماكن العبادة في رمضان مكانة خاصة بمختلف أحياء مدينة مراكش، إذ تبدأ في التهييء لاستقبال شهر الغفران بكل ما يليق به من تبجيل وتعظيم، من خلال تغيير أفرشة المساجد، وبث أنواع من الزرابي التي تزيد الفضاء جمالا وقداسة، وقبيل حلول شهر رمضان تدب حركية غير معهودة في صفوف الأئمة والقراء، الذين يراعى في اختيارهم درجة إتقانهم لفنون القراءة والترتيل. ويشكل شهر رمضان بكل ما يحمله هذا الشهرالفضيل من دلالات ورموز، أحد أهم المحطات السنوية في الحياة بمدينة مراكش، حيث تنطلق الاستعدادات مع التباشير الأولى بقرب حلول شهر رمضان. ومع حلول شهر رمضان الأبرك، تشهد مختلف مساجد مدينة مراكش ذات الطابع المعماري الأصيل، إقبال أعداد كبيرة من المصلين حيث تمتلئ جنباتها عن آخرها لتمتد صفوف المصلين إلى الساحات والممرات المحاذية لها. وتسطع أنوار المساجد في صلاة العشاء والتراويح بحيث تضيق بالمصلين فأصبح من المعتاد أن تتراص صفوف طويلة خارج المساجد وعلى قارعة الطريق لأداء الشعيرة، ليتفرق الجمع بعدئذ بين من يعود الى بيته ليعيش أجواء أسرية خاصة، ومن يقصد المقاهي التي تنتقل ذروة نشاطها الى الليل في سهر ممتد الى وقت ما قبل السحور، تتناسل حول طاولاتها نقاشات السياسة والرياضة وأحوال المجتمع أو تحتدم على رقعتها مباريات لعب الورق. وعلى الرغم من الاكتظاظ الذي تعرفه هذه المعالم الدينية، فإن أعداد المصلين تتفاوت من مسجد لآخر حيث تعرف بعضها إقبالا منقطع النظير، يعكس حرص المراكشيين على أداء الصلاة بمساجد بعينها إما اعتبارا لحمولتها التاريخية أو للمقرئين الذين يؤمون المصلين وخاصة خلال صلاة العشاء والتراويح. ويبقى مسجد الكتبية التاريخي، الذي يجمع بين التصاميم الهندسية الفريدة والفخامة العمرانية اللافتة، الأكثر استقطابا للمصلين حيث يتوافد عليه الناس من مختلف أنحاء المدينة غير آبهين ببعد المسافة بين المسجد ومحلات سكناهم، لأداء صلاة العشاء والتراويح خلف المقرئ وديع شاكر ذو الصوت الشجي المتقن لمخارج الحروف وقواعد التجويد، في جو تعمه السكينة والطمأنينة والراحة النفسية. الفضاءات والساحات المجاورة لهذه المعلمة الدينية الحضارية، تم تنظيفها وتجهيزها بالآلات الصوتية وتأثيثها بالأفرشة ووضع حواجز حديدية إلى جانب وحدة طبية تابعة للهلال الأحمر المغربي من أجل التدخل في حال حدوث أي طارئ. ويجسد مسجد الكتبية، صورة متكاملة للمسجد الذي يسارع إليه المصلون لينعموا بأجواء إيمانية فريدة تملؤها السكينة ويميزها الخشوع يفرضها الجو العام للجامع الذي تزين لاستقبال أفواج المصلين في ليالي الشهر الفضيل، لاغتنام لحظات للتمعن والتدبر في آيات القرآن الكريم والسمو بالنفوس البشرية إلى مراتب الصفاء والطهر من الشوائب.