يشارك الفنان التشكيلي صالح بن ناجي في معرض جماعي من تنظيم النقابة المغربية للفنون التشكيلية تحت شعار "جسور فنية"، بالمكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، في دورة زهرة زيراوي، ويمتد المعرض إلى 28 فبراير الجاري. ومن بين الاعمال المعروضة لوحتان لبن ناجي، واحدة بحجم كبير وتحمل عنوان الفروسية "التبوريدة" وأخرى تحتفي بالطبيعة الميتة. وفي دراسة رصينة أنجزتها الناقدة الفنية هجر موساليت العلوي، حول "الفرس في التشكيل المغربي"، سلطت العلوي الضوء على تجارب فنانين مغاربة تمااهو مع الفرس، وقالت إن القرن التاسع عشر شهد اهتماما خاصا بموضوع الفرس على المستوى البصري، وكان التأثير واضحا. إنها حماسة الاتجاه الرومانسي الذي طبع الفترة على مستوى الأدب والشعر والفن، ووصل صداه إلى الشرق والمغرب. كان دولا كروا الذي حط الرحال بالمغرب سنة 1832، في إطار مهمة دبلوماسية فرنسية، افتتن بالحصان العربي وتحديدا المغربي، إذ في كل مناسبة كان يقدم هذا الحصان في أبهى تجلياته. وكانت تجربة العديد من الفنانين المغاربة الذين رسموا الفرس، اعتبرت ضمن الفن العفوي، إلا أنه مع الفترة الحديثة ظهرت أسماء لها صيت كبير في مجال الفنون التشكيلية من أمثال حسن الكلاوي، ومريم مزيان، وفي المرحلة المعاصرة وضع مجموعة من الفنانين خطابا جماليا، نذكر منهم عباس صلادي، محمد دريسي، بلالي، محمد حمري، إدريس بنادي، بلقاضي، وصوفيا لحلو، وليس آخرهم، التشكيلي الملقب، ب"فارس الشاوية" صالح بن ناجي. فنان عدته الألوان والأسندة وميدانه الفروسية ورائحة التراب هادئ الطباع تسبقه دائما ابتسامة تعلو محياه، هو الفنان العصامي صالح بن ناجي الذي وصلت لوحاته إلى فرنسا وهي في ملكية رجل أعمال. من بين أعماله نذكر تحديدا لوحة فارس الشاوية، التي تعد من أروع اللوحات التي تجلب زوار معارضه الممتدة عبر جغرافية المغرب. "كش24" زاره في مرسمه الواقع بمدينة سطات عاصمة الشاوية، يستحضر صالح بن ناجي، في حضرة هذا المرسم الممتلئ باللوحات كل الأبعاد الجمالية التي تؤرخ للإنسان والحيوان والأرض. فنان استطاع أن يعيد تاريخ الفروسية ويوثقها بالريشة والألوان. تشكيلي اجتمعت فيه صرامة أهل الشاوية وحزمهم وجمالية الفنان. لا يمكن الحديث عن بن ناجي دون استحضار أسماء تشكيلية مرت من المغرب من أمثال دولا كروا، وماتيس، وآخرين الذين افتتنوا بسحر المغرب وجماله وبحيوانه وجباله وشموسه، فالمبدع بن ناجي وفي لهؤلاء، ويجد فيهم الانتماء والنسب التشكيليين، ويجعل من التشخيصي مذهبه وعقيدته الفنية. أعمال كما يقول نقاد تستلهم ألقها من الأرض والإنسان والحيوان. جماليا يندرج مقتربه التصويري ضمن التجربة التشخيصية الواقعية، فعندما نستحضر أعماله نستحضر معها، أيضا، الديوان البصري لملحمة الفروسية بكل مراسيمها وطقوسها الاحتفالية. فنان التزم مند 1982 باختيار المسالك الصعبة على غرار المبدعين الباحثين والمهووسين بالثقافة المحلية في أبعادها الرمزية والدلالية. أعمال تحتفي بالأرض والحيوان، بل هي متتاليات من الأحصنة يتقدمها "مقدم السربة" بوجهه الصارم وعفويته الصارخة، يمكن الحديث عن سجلات بصرية منطقها " لا أصالة إلا في الأصل". في منجزه البصري نقف عند تلك المصالحة التاريخية بين العلم والطبيعة وبين الدراسة التأملية الفطرية. بن ناجي فنان آثر الاشتغال على المواضيع الحية مثل الفروسية والمشاهد الجية والميتة معا إلى جانب التركيز على كل ما يعتمر في كيانه ودواخله، يحرص الفنان المبدع بن ناجي على إعادة تمثيل قيم الذاكرة المشتركة في منزعها التشخيصي الواقعي، يستوحي عوالمه المشهدية من ملكته الطبيعية، لكنه يفصح عنها من خلال مهاراته وكفاياته على مستوى الإعداد والإنجاز. مقتربة الفني يزاوج بين توسيع الإدراك الجمالي وتحرير المخيلة، بل نكاد نجزم أنه تواطؤ بين مخيلة حرة جسورة وإدراك موسع. بن ناجي فنان صامت لكن أعماله تتحدث عنه، فالرسم من منظوره مدرسة للحكماء، وهو مسلك للعارفين والمتيمين والهاربين نحو الضوء واللون والفرشاة والسند. فنان يجمع بين أصالة الفن وحداثة اللون، ويكفي ان نذكر بمجموعة من معارضه الفردية والجماعية، ولن يكون آخرها مشاركته رفقة 34 فنانا من مشارب مختلفة ومدارس متنوعة واتجاهات احتفت بالخطاطين والحروفيين والانطباعيين والتجريديين والتشخيصيين وهلم جرا، في معرض حمل شعار" جسور فنية" بالمكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، ويمتد إلى غاية 28 فبراير الجاري. فإذا كان الفنانون المستقبليون قد انتصروا في بياناتهم وأعمالهم لجمال السرعة والتقنية، فإن بن ناجي ينشد جمال الأصيل في الأشياء والكائنات، منطلقا من الوحدات البصرية لواقعه المحيط به، إذ على المتلقي المتذوق أن يبحث عن المعاني الضمنية بالعقل والحدس معا. آلف بن ناجي في تجربته التصويرية بين التشخيص التأثيري، والاختزال التشكيلي، والجمال الصافي الموضوعي، وفعل اللون على الحواس والاستيحاء البلاغي. يتخذ العمل الفني في هذا السياق العام موضع النوطة الموسيقية الترميزية لتحويل المشاهد من عالم القلق إلى عالم الانتشاء والابتهاج. يقتنع المتأمل لأعمال بن ناجي أيما اقتناع بأن الفعل التشكيلي يخضع تماما لقول كاندنسكي، مؤسس اتجاه الفارس الأزرق: "لابد من التعبير عن الحاجة الداخلية، حيث يبدو تناغم الألوان والأشكال حصيلة الاحتكاك الفعال مع الروح البشرية". استأثرت أعماله بمشاهد الطبيعة الميته، فكانت، بالقوة والفعل، عتبة لولوج أعماله المشهد الخفي في حياتنا اليومية بكل قيمه الذاتية والانطباعية، إذ يصبح الشكل الشاذ هو المنظور الحقيقي للعمل الفني ويغدو معه اللون هو "البناء والأداة معا". يذكرنا صنيع بن ناجي بأعمال فنانين رسخوا وجودهم الفعلي في الساحة الفنية المغربية والعالمية، فنحن بصدد منعطف جديد على مستوى الإدراك الجمالي، فالفن، هاهنا، ليس تكرارا للماضي أو محاكاة حرفية للواقع. إنه رمز وأثر وعلامة على الذاكرة الفردية والجماعية، حيث يظل الرهان النوعي هو تقديم لغة بصرية لا تحنط الماضي ولا تجعل منه تحفة ميتة. يولي بن ناجي اهتماما خاصا لملكة الخيال في زمن السرعة الآلية، ذلك أن الإبداع من منظوره الخاص تعبير رمزي حر عما اختمر في العقل والوجدان، بأسلوب جريء وتلقائي يختزل عناصره الجوهرية المنسابة. في معارضه الفردية أو الجماعية التي شارك فيها إلى جانب فنانين تشكيليين أسسوا جمعية تعنى بالفن والثقافة، واختاروا لها اسما دالا، تامسنا، لا يتوانى بن ناجي في مفاجأة جمهوره النوعي من خلال لوحات تنشد الأصيل وتحتفي بالإنسان والحيوان والطبيعة الميتة، فلا غرو ان تكون بعض أعماله وصلت إلى فرنسا، وهي في ملكية مغربي مهووس بالفروسية والجمال. آمن بن ناجي باستقلالية الإبداع التصويري وحريته، متأثرا بقولة إدغار دوغا إن "ما أسميه الفن الكبير هو بكل بساطة، الفن الذي يستوجب أن تعمل فيه جميع طاقات الإنسان، والذي يستوجب أن يكون في آثاره فن الآخرين دون تقليد…". يحلل هذا الفنان الموهوب الألوان إلى عناصر فاتنة ويوظفها بشكل دقيق على مساحات تشكيلية تشمل اللوحة وإطارها في آن واحد، جامعا بين التصوير الواقعي للأشياء والعقلانية في التركيبة والإخراج، معتمدا على الطبيعة وأحلامه الصغيرة والكبيرة.. تنسجم أعماله التشكيلية مع روح المتخيل الشعبي في عالم فسيح، عالم الفانتزيا، والحركة، والتبوريدة، حيث الحصان ديدن الأشياء وجوهرها. فعلى عكس الفنانين المغامرين الذين انساقوا مع اتجاهات ما بعد الطلائعية، حرص بن ناجي على العودة إلى النظام البصري القديم والتمسك بالجذور، خالقا واقعا جديدا بعمله التشكيلي، حسب تعبير وورنغر. لقد غرف هذا المبدع من سحر الطبيعة واتخذ من أجوائها ملاذا مشهديا لتأكيد قيمة المتخيل الجماعي والاستغراب الموضوعي.