في خطوة مفاجئة لسد الطريق أمام المساعي التي تخوضها جبهة البوليساريو داخل أسوار المحاكم الدولية بخصوص “منتجات الصحراء المغربية”، أعلنت حكومة العثماني عن ترسيم مياه الحدود البحرية في سواحل الصحراء للمرة الأولى منذ استرجاع هذه الأقاليم منتصف السبعينيات، وإدراج المجالات البحرية قبالة تلك السواحل في المنظومة القانونية الوطنية، الأمر الذي أثر حفيظة لأسبانيا والبوليساريو. تحديد مجالاته البحرية بشكل أكثر دقة
في مجلسها الأخير صادقت الحكومة المغربية بقيادة سعد الدين العثماني، على ثلاثة نصوص قانونية، تحمل تعديلات جذرية على التشريعات المغربية المتعلقة بالمجالات البحرية الخاضعة لسيادة المملكة، أهمها إدخال المياه المقابلة لسواحل الصحراء ضمن المنظومة القانونية المغربية.
وفقا لمشروع القانون، سيتم ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في عرض سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة وإدراجها صراحة ضمن المنظومة القانونية للمغرب
الوزير الناطق رسميا باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، قال بعد اجتماع مجلس الحكومة الأخير، إن إدراج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء المغربية بشكل صريح في المنظومة القانونية الوطنية، جاء "لتثبيت الولاية القانونية للمملكة عليها، وسد الباب أمام كل الادعاءات المشككة في أنها لا تدخل في نطاق السيادة المغربية". وأضاف الخلفي أن النصوص الجديدة ستمكن المغرب من تحديد مجالاته البحرية بشكل أكثر دقة وملائمة مع مقتضيات القانون الدولي للبحار، في أفق تقديم الملف النهائي لتمديد الجرف القاري من 200 كلم إلى قرابة 350 كلم.
ووفقا لمشروع القانون، سيتم ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في عرض سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة وإدراجها صراحة ضمن المنظومة القانونية للمغرب؛ إذ سيتم حذف الإحالة إلى خط الوسط كمنهج وحيد لترسيم الحدود البحرية، والتنصيص، في المقابل، على الإنصاف الذي يعتبر أكثر تجاوبا مع مصالح المملكة. وصادق المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة حول قانون البحار الموقعة بمونتيغوباي في 10 ديسمبر 1982 أواسط العام 2007، وكان ملزما بتقديم ملفه الرسمي لتمديد جرفه القاري قبل نهاية شهر ماي الماضي، أي داخل أجل عشر سنوات من مصادقته على الاتفاقية.
جبهة البوليساريو تحتج
الهدف الأبرز لترسيم المغرب للحدود البحرية في سواحل الصحراء، حسب خبراء، سدّ الطريق أمام المساعي التي تخوضها جبهة البوليساريو داخل أسوار المحاكم الدولية بخصوص “منتجات الصحراء، حيث يعتبر غياب المياه المقابلة لسواحل الصحراء عن التشريعيات المغربية مدخلا ممكنا للطعن في حقّ المملكة في استغلال وتصدير ثروات المنطقة، حيث رفعت البوليساريو دعاوي ضد المغرب في محاكم دولية في أوروبا وجنوب افريقيا وبنما لوقف الاتفاقيات التي تشمل منتوجات الصحراء. وأقدم المغرب على ترسيم مياهه الإقليمية بشكل أحادي في الصحراء، وذلك تحسبا لحكم قد يصدر عن المحكمة الأوروبية حول اتفاقية الصيد البحر بينه وبين الاتحاد الأوروبي التي تطعن فيها جبهة البوليساريو، وستصدر المحكمة الأوروبية قرارها في اتفاقية الصيد البحري قريبا، حيث هناك تخوف من رفض الاتفاقية لأنها تشمل مياه الصحراء المغربية، وبهذا يكون المغرب قد استبق القرار لمواجهته بحجج أكبر في حالة الرفض.
ويعرف الشطر الجنوبي من السواحل الأطلسية، نزاعا حول ممارسة السيادة عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو، واعتبرت البوليساريو الخطوة المغربية تصعيدية، ومشروع القانون الجديد "لاغيا وباطلا". وذهبت الجبهة إلى اعتبار المبادرة المغربية خرقا للقانون الدولي وقرارات محكمة العدل الأوروبية الأخيرة حول الاتفاقيات التجارية للمغرب مع أوروبا. ولتمديد الجرف القاري للمغرب في الواجهة الأطلسية تنتظر الرباط في مرحلة أولى فحص أولي للملف من قبل اللجنة الأممية للتأكد من تضمنه كل المعطيات العلمية الضرورية والشروط الشكلية، وفي مرحلة ثانية تنتظر المغرب تأكد اللجنة من صحة المعطيات والمعلومات الواردة في الملف، ولتخلص في النهاية إلى توصيات توجهها إلى البلد المعني والأمين العام للأمم المتحدة.
ردّ على خطوة إسبانية مماثلة
ترسيم الحدود يمس إسبانيا أيضا، فهذا الأمر يرتبط بخلافات حدودية قديمة مع إسبانيا ذات السيادة على جزر الكناري المقابلة للصحراء، وذلك بسبب قصر المسافة الفاصلة بين تلك الجزر وبين السواحل المغربية، وكانت إسبانيا ترغب في ترسيم مياه إقليمية تشمل 300 ألف كلم مربع، وهي تمتد إلى مياه الصحراء ومياه يفترض أنها برتغالية في جزر صغيرة شمال الكناري وجنوب جزر ماديرا.
ومنذ 2001 دخلت المغرب في مفاوضات مع إسبانيا لتحديد المياه الإقليمية بين الطرفين في الصحراء وجزر الكناري، وخاصة بعدما كان يوجد اعتقاد في وجود بترول في المياه الفاصلة بين البلدين. وتسبب الموضوع في النزاع بين الطرفين لأن اسبانيا كانت تتجنب التوقيع على اتفاقية رسمية مع الرباط طالما لم يتم الحسم في السيادة على الصحراء. وفي سنة 2009، قدّمت اسبانيا التي صادقت على الاتفاقية الأممية عام، ملفها الخاص بتحديد المياه الإقليمية والجرف القاري الخاص بجزر الخالدات، وسارع المغرب بدوره للاعتراض عليه عبر مراسلة رسمية موجهة إلى الأممالمتحدة. وفي ال 17 من ديسمبر 2014، عادت إسبانيا وبادرت مرّة أخرى بشكل أحادي دون استشارة المغرب بتقديم طلب إلى الأممالمتحدة لترسيم مياهها الإقليمية، الأمر الذي أدّى إلى احتجاج الرباط خلال شهر مارس من 2015، مما دفع بإسبانيا إلى التراجع وتأكيد استعدادها لترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية بعد الحل النهائي لنزاع الصحراء.ويعود الخلاف المغربي الإسباني إلى كون المسافة الفاصلة بين السواحل المغربية وجزيرة "فويرتيفونتورا" التابعة لأرخبيل الخالدات لا تتجاوز 100 كلم، مسافة تجعل المغرب وإسبانيا في موقف خلاف لكون المنطقة الاقتصادية الخالصة، حسب القانون الدولي، تصل إلى أكثر من 200 كلم من السواحل، وفي حال كانت المسافة الفاصلة بين سواحل دولتين تقل عن هذه المسافة، يكون ترسيم الحدود البحرية بينهما مرتبطا باتفاقهما.
وفي أول ردّ إسباني على الخطوة المغربية، عبرت النائبة البرلمانية الإسبانية ماريا خوسي لوبيز سانتانا عن حزب ” نوفا كناريا ” المنتمي إلى اليسار الوسط أن ترسيم الحدود من لدن المغرب وبشكل أحادي يشكل تعديا صارخاً على الحدود البحرية الإقليمية لجزر الخالدات، مشيرة الى أن البرتغال سبق وأقدمت على خطوة مماثلة وسط صمت مطبق من قبل الحكومة الإسبانية، داعية الحكومة الى توضيح موقفها بخصوص هذا الإجراء المغربي”.