هوية بريس – عبد الله الجباري يعرف ورش التربية الوطنية في المملكة المغربية أزمة لا نظير لها في القطاعات الأخرى، مما يستوجب التدخل على عدة مستويات، منها ما هو عاجل، ومنها متوسط الأمد، ومنها ما يمكن الاهتمام به على الأمد البعيد. ونظرا لكارثية الوضع واستعجاله في آن، فإننا نضع بين أيديكم مجموعة من الكوارث التربوية، التي لا ينبغي التساهل في شأنها، أو تأجيل البت فيها، مع الإشارة إلى أننا تغاضينا عن ذكر المشاكل التي تتطلب ميزانية ضخمة لحلها، بل اكتفينا بالإشارة إلى ما لا يتطلب إلا الإرادة الصادقة، والهمة العالية، وحُرقة خدمة الوطن. 1- معالي الوزير الموقر. بالنظر إلى الواقع، لا إلى الأوراق والمذكرات والمراسيم، نجد أن أبسط هدف يجب تحقيقه في الحقل التعليمي، هو حسن الكتابة وتجويد الخط في السنوات الأولى للتعليم الابتدائي، إلا أن الواقع الذي لا يرتفع، أن كثيرا من الأساتذة يعانون الأمَرّين أثناء تصحيح امتحانات الباكلوريا، أو في سنوات التعليم العالي، جراء سوء خط كثير من الممتحَنين ورداءته، مما يُحَوّل حصص التصحيح إلى حصص تعذيب نفسي مرير، وهو مؤشر دالٌّ على أن مشكل الخط لم يُتَجاوز في المرحلة الابتدائية، وبقي عائقا أمام التلميذ والأستاذ في جميع المراحل التعليمية. ونظرا لخطورة المشكل، فإن سوء الخط وعسر قراءته، قد يكون سببا لرسوب عدد من التلاميذ، لأن الخط هو قناة التواصل الرئيسة بين الأستاذ/المصحح والتلميذ/الممتحَن. وغير خاف عليكم، أنه من المعيب أن نغفل هذا المشكل أو نتحاشى الحديث عنه، أو التقليل من شأنه، ولعل البحث في حلول ناجعة له، يعد من آكد الواجبات في المرحلة، وهو ما لا يتطلب منكم ميزانية أو تجهيزات، بقدر ما يستوجب إرادة منكم باعتباركم المسؤول الأول عن تدبير القطاع، مثل الزيادة في حصص الخط في التعليم الابتدائي، والتركيز على هندسة الحروف باللغتين، ووضع خطة عملية للاهتمام بغير المجيدين. أما أن يتخرج التلاميذ من سلك الثانوي التأهيلي، وخطّهم شبيه بالطلاسم التي يعسر فهمها، فهذا لعمري مؤشر خطير من مؤشرات أزمة المنظومة التعليمية بالوطن. 2- معالي الوزير الموقر. من الأهداف الرئيسة التي ينبغي تحقيقها في المستوى الابتدائي ؛ بل قبل نهايته ؛ في المنظومات التربوية لجميع البلدان، هو حسن رسم الكلمات والقدرة على تنزيل القواعد اللغوية، إملائية أو نحوية أو صرفية، وبعيدا عن المذكرات والوثائق المؤطرة للقطاع، نحيط جنابكم علما بالواقع الذي نحياه، ونرفل في بؤسه صباح مساء. وبعيدا عن التوصيف غير العلمي، نلتمس منكم إخضاع أوراق امتحان تلاميذ الباكلوريا للدراسة العلمية في هذا المجال، للخروج بخلاصات علمية بعيدة عن الانطباعات الشخصية. ونظرا لغياب هذه الدراسة، أحيطكم علما بأن طلبة الجامعات، وليس تلاميذ التعليم الابتدائي، يقعون في أخطاء كارثية بامتياز. . كيف يعقل أن طالبا جامعيا في الأدب العربي أو التاريخ يكتب التنوين نونا. (تِلْمِيذُنْ بدل تِلْمِيذٌ)؟ . كيف ترضى المنظومة التربوية أن يخطئ طالب الحقوق في كتابة الهمزة بأنواعها ؟ مع العلم أن إجادة ذلك منوط بتلميذ الابتدائي. . كيف نقبل الخلط بين التاء المربوطة وشقيقتها المبسوطة عند طلبة الجامعات في الشعب الأدبية قبل العلمية أو التقنية؟ . هل يعقل إضافة الطالب الجامعي الياءَ لإثبات المؤنث (لَكِي بدل لَكِ. أوراقكي بدل أوراقك). وباعتباركم وصيا على القطاع، فإنني أنبه جنابكم إلى أن هذه الأخطاء تعد جرائم وكوارث حقيقية، لو اطلع عليها علال الفاسي أو المختار السوسي أو عبد الله كنون عند تلاميذ الإعدادي، لصعقوا من هول المصيبة، لذا، فإنه لا يُقبل منكم التقليل من شأن هذه الأخطاء، بل يجب عليكم -بناء على المسؤولية الوطنية التي تطوق عنقكم- أن تبحثوا عن الحلول العاجلة لتفادي هذه الأزمة. وهو ما لا يتطلب ميزانية بسيطة أو ضخمة، بقدر ما يتطلب منكم إرادة وإحساسا بالوطنية. ونظرا لثقافتكم الفرنكفونية، أحيلكم على المرجعية الغربية، ولكم أن تتأملوا كيف يتعامل المواطن الأوربي/الأمريكي بحساسية مفرطة مع أخطاء لغوية بسيطة، سواء على مستوى النطق أو الكتابة، خصوصا مع لغته الوطنية. 3- معالي الوزير الموقر. من المشاكل الضخمة التي يعانيها القطاع التعليمي بالمغرب، ما يرتبط بالتعليم الخصوصي. فالتعليم الخصوصي بقدر ما هو شريك أساس كما تنص على ذلك الوثائق المؤطرة للقطاع، بقدر ما يرتكب مخالفات تربوية، ترقى أحيانا إلى مستوى الجريمة التربوية. وأضع جنابكم الكريم أمام النقاط الآتية : أولا: في بداية كل موسم دراسي، تطلب المؤسسات الخصوصية من أولياء الأمور أداء واجبات التسجيل (frais d'inscription) وهي مبالغ لا يعرف المواطن مسوغا لها، فإذا تجاوزنا مبلغ التأمين، وهو مبلغ زهيد جدا، فعن أي مصاريف نتحدث ؟ وكيف تتفاوت قيمتها من مؤسسة إلى أخرى؟ وكيف تسمح الوزارة بأخذ مبالغ مالية تتجاوز الألف درهم أحيانا ؟ أم أن الوزارة لا علم لها بما يجري ؟ ثانيا: تتفاوت الواجبات الشهرية لكل تلميذ من مؤسسة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، ففي التعليم الابتدائي، لا يكاد الأجر الشهري للمعلمات يتجاوز الحد الأدنى للأجور، ويتجاوزه بقليل في مؤسسات أخرى، ومع ذلك، نجد الارتفاع الباهظ في تلك الواجبات، التي تتراوح من 400 درهم إلى 2000 درهم أو يزيد، حسب الاختلاف بين مدن المغرب وحواضره، وبين مؤسسات المدينة الواحدة. فما هو دور الوزارة الوصية في هذا الباب ؟ وما هي أطرها المرجعية والمعيارية لتحديد هذه الواجبات ؟ أم أنها تعمدت ترك المجال لقانون السوق ؟ وهل مهام الوزارة منحصر في التفرج والمشاهدة ؟ ومن يحمي المواطن من هذه اللوبيات المقنعة بالواجهة التربوية ؟ مع استثناءات قليلة تؤكد القاعدة. ثالثا: على مستوى الكتب المقررة، نلاحظ مسألة ذات وقع تربوي خطير، وهي تجاوز أغلب المؤسسات التربوية الخصوصية للكتب المقررة من قبل الوزارة الوصية، وبرمجة كتب غير مغربية، وهذا يتضمن تحقيرا للبرامج والمناهج المغربية أولا، ويستبطن ضربا لمبدأ المساواة بين المواطنين، وهذه إن ثبتت، فهي جريمة دستورية، لأنها تخرق مبدأ منصوصا عليه في الدستور، وهو مبدأ المساواة بين المواطنين. وفي بعض المؤسسات الابتدائية، يتقرر تدريس الرياضيات مرتين، مرة باللغة العربية بواسطة الكتاب المقرر من قبل الوزارة الوصية، ومرةً باللغة الفرنسية بواسطة كتاب مقرر في وطن آخر (فرنسا غالبا)، والأمر ذاته يتكرر مع النشاط العلمي (مقرر مغربي) والعلوم (مقرر فرنسي)، وهذا ما يترتب عنه أحد أمرين: الأمر الأول: ضرب مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة بين المواطنين، حيث يتعرف تلميذ التعليم الخصوصي في هذه المؤسسات منذ المرحلة الابتدائية على مصطلحات هذه العلوم باللغة الفرنسية، مما قد يؤهله أكثر من تلميذ المدرسة العمومية للولوج إلى مدارس عليا بسهولة، أو سلاسة التعامل مع هذه العلوم في مرحلة الجامعة، أو على الأقل، الاستفادة من ولوج المسلك الدولي للباكلوريا. وهذا التفاوت يعد مخالفة دستورية لمبدأ تكافؤ الفرص. الأمر الثاني: قد يصعب على التلميذ مواكبة البرنامج المزدوج لهذه المؤسسات، خصوصا أنه يبدأ منذ السنة الأولى، فيتلقى كمّاً وافرا من المعرفة والمعلومات باللغتين، ويقرأ المادة الواحدة مرتين، وهذا يثقل كاهله، وهذه مخالفة تربوية، قد ترقى إلى مستوى الجريمة التربوية في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها. فما هو دور الوزارة الوصية في هذا الشأن؟ وهل هو مخالف للقوانين المؤطرة؟ أم أنها تباركه وتوافق عليه؟ رابعا: يعمد الساهرون على بعض المؤسسات التعليمية الخصوصية، إلى حذف بعض المواد الدراسية في الدورة الثانية، بالنسبة للسنوات الإشهادية. فعلى سبيل المثال: يتم حذف الفلسفة أو غيرها لتلاميذ السنة الأولى باكلوريا، بدعوى أنها غير مشمولة بالامتحان الجهوي، أو حذف مادة التربية الإسلامية أو غيرها لتلاميذ الثانية علوم، لأنها ليست من مواد الامتحان الوطني، ويتم تعويض حصصها بمواد الامتحان فقط، مما يترتب عنه الآتي: التلميذ في بعض مؤسسات التعليم الخصوصي (ولا أعمم) يتلقى الرياضيات أو الفيزياء في حصص أكثر من الحصص التي يتلقاها تلميذ المدرسة العمومية، وبعد ذلك، يلتقي تلاميذ الخاص والعام في امتحان موحد، في وقت موحد. ويستوي من دَرَس أربع حصص من الرياضيات مع من درس ثماني حصص، فأيُّ منطق هذا؟ وأين مبدأ المساواة؟ وأين هم المفتشون التربويون؟ معالي الوزير... لقد أخذ مني التعجب كل مأخذ، حين قررتم إيفاد لجان التحقيق لكل المؤسسات التي نجح فيها أقل من %40. ولكنكم أغفلتم إيفاد تلك اللجان للمؤسسات التي حصلت على نسبة نجاح %100. حبذا لو رجعتم إلى أرشيفهم، إلى دفاتر النصوص، إلى أوراق المراقبة المستمرة الخاصة بالدورة الثانية، وإلى استنطاق التلاميذ الذين مرّوا من هذه التجارب والتحقيق مع أوليائهم. هذا لعمري هو التحقيق الواجب عليكم القيام به. خامسا: هناك كارثة أخرى على مستوى التعليم الخصوصي، تتجلى في أثمنة الكتب المقررة، حيث يقتنيها أولياء الأمور بتفاوتات صارخة، فالكتاب المقرر المغربي ب 15 درهما أو 30 أو بينهما، وأحيانا أقل. أما الكتاب الفرنسي، فبين 150 و 250 درهما، وأحيانا أغلى. هذا في الابتدائي فقط. فهل تخضع أثمنة هذه الكتب لرقابة وزارتكم؟ وما هو دوركم في هذا الشأن؟ أم أن اللوبيات هي سيدة القطاع. معالي الوزير الموقر. هذه ملاحظات بسيطة جدا، في قطاع محترق جدا. وكما لاحظتم، فإني لم أثر النقاش حول قضايا عديدة، إما لصعوبة البت فيها، أو للميزانية الكفيلة بذلك، واكتفيت بإثارة انتباهكم للقضايا التي يمكن التدخل في شأنها على وجه الاستعجال، ومن دون ميزانية مادية، سوى ميزانية معنوية، هي إرادتكم وإرادة من يعمل على أجرأة قراراتكم ويسهر على تنزيلها جهويا وإقليميا ومحليا. معالي الوزير الموقر. أرجو أن يقع ندائي منكم موقع القبول، وأن تتفاعلوا معه إيجابا، خدمة للوطن، وتنزيلا للدستور.