هوية بريس – الأربعاء 25 يونيو 2014 صديقي القارئ، إن غدا لناظره قريب، اليوم الذي ستتضح لك فيه وجهة نظري، فتدرك أن معظم المولعين بالكتابة لا تحكمهم مرجعية، سوى حبهم للإبداع ومشاركتهم ما يحملون من أفكار وإياكم، يرغبون في التواصل معكم على طريقتهم، المنبثقة من التعبير، لغة كافة الأمم والشعوب، يخطون إليكم بأسطرهم لأنهم يحبونكم، يرجون مقربتكم ويتمنونها، يسعون للارتماء بين أرواحكم، يتحسسونها ليخبروكم أنهم يقاسمونكم، الأفراح ذاتها والأتراح نفسها، لا لشيء فقط إنما لأنكم بنو جلدتهم، معتنقو عقيدتهم، أي كلكم إنسان. نرجو مساعدتكم لنا، حتى نكون صوتا لكم، لسانا ناطقا بلغتكم، عقلا يفكر بطريقتكم، حسا يخالج وجدانكم، فتبقى للإبداع مكانته ولا يفقد قدسيته، يستمر التواصل بين أفئدتنا دون انقطاع. الانتهازيون يستغلون مقالاتنا، تعطشنا الجامح لحياة أفضل، فيقرنونها بإنجازاتهم، يعتبرونها شهادة مثمنة لادعاءاتهم، يشبعون بها غرورهم وتعنتهم. ما نكتبه يا أصدقائي ليس وحيا إلهيا منزلا، إنما يحتمل الخطأ أكثر مما فيه صواب، لذا أنتم مدعوون إلى تصحيح مسارنا عند كل اعوجاج، فالعقل البشري كثيرا ما يعجز عن بلوغ مجموعة من الإدراكات، لذا لا جرم في تعديل ما أخطأنا بالحديث عنه، فمهما بلغنا من حقيقة فلن تكون مطلقة. لِمَ أكتب؟ عقيدتي الإنسانية تدفعني لذلك، مذهبي الفكري يلزمني باستحضار ما يوحى إلي، وأنا الخالق لبعض الكمال الذي تفتقر اليه الطبيعة، مرسل لأحدث ما استطعت من تغيير، أتمم وظيفتي كأي نبي من أنبياء الفكر والإبداع. فكري مستقل لا تبعية له، مدرسته مختلفة عن بقية المدارس، لا يمكن تقييده وفق مرجعية محددة، فالشمولية مبدأه وتصوره، لذا فمشاركتي بالكتابة حول بعض المواضيع، لا يعني تشبعي بها، أو دخلا لي بأطرافها، إنما هوس مداعبة الحروف ما يغويني لفعل ذلك، فمدحي اليوم لفكرة أو تيار معين، لا يعني تمسكي المطلق به، إنما هي وجهة نظر لحظية، بحسب ما لامست مما تحويه تلك الفكرة من صواب، والتي ستظل محط أنظاري الى حين أثبت خطأها من جديد، لأنتقدها باليوم الموالي، الأمر البالغ الورود. لست مداحا للقمر، حتى اتغزل بكيان محدد، أو أمجده بغية تحقيق أغراض معينة، فأنا شخصية كارهة للوصولية، أحارب بقلمي كل متبن لها، ولأني أؤمن أن الطبيعة تمت خلقتها ناقصة، وأن علاجها هو الدور المسند للإنسان، فلن أدخر جهدا في اثبات النقصان، والذي تعاني منه كل فكرة أشرت إلى إيجابيتها في يوم من الأيام، وبالطبع هذا لا يدخل ضمن مدار الشك، إنما تأكيدا مني لكم، على أنه وان تمت القضية وأوفت نصابها، فلا بد لها من خلل. تركيز كتاباتي منصب على الجانب الأخلاقي، دماثة يجب التحلي والاتصاف بها، ان كانت لنا رغبة في بلوغ مدرج الانسان الأعلى، الانسان الذي لا يمكنك مقاومة سحر عظمته، من شدة مكارم اخلاقه، لذا فلست أسترسل في أي كيان إلا جانبه المنير، حتى إذا خلصت كان لي مدخلا لأبرهن على جانبه المضاد، الحجة الدامغة على تناقضه، وأنه الآخر يعاني من عوز، يحاول تغطيته بإظهار جانبه المضيء، جبنا وخشية من مجهر المجتمع، والذي بدوره غارق في النقصان. لا أؤمن بالمثالية، إنما أعتبرها وهما لا ينغمس فيه إلا الضعفاء، الغير قادرين على ابراز ذواتهم وفق أساس منطقي واقعي، لهذا فتكريمي لجهة معينة، لا يجب اخذه بحكم مسبق، إنما وجب التدقيق فيه بتمعن، وهو أمر لا يخصني وحدي، إنما هي ميزة ممكن توفرها عند أي مولع بالفكر والإبداع. نحن لا نكتب عن الملائكة، تلك المخلوقات النورانية المنزهة، الطيعة لربها منذ يوم خلقتها، إنما نناقش قضايا اجتماعية، محورها الكائن البشري، والذي يمكنه ان يفسد ما أصلحه البارحة، الواجب الذي يحتم علينا وصف كل شيء من موضعه، اذ من غير الأخلاقي أن نسهم في تضبيب الصورة أكثر مما هي باهتة، إنما علينا الاشراك في ايضاحها، وجعلها أكثر صفاء. ليستعد الموضوع الذي تطرقت اليه اليوم بإيجاب، الى وابل من الانتقادات وقسط من التفنيد، فلا مناص للشيء من هفوات، سقطات لا يمكن غفرانها، لما ستؤدي به للمجتمع البشري من انتكاسة. تملقي لك يعني موت الانسانية كقيمة، وفناء قواعدها كعقيدة، وافترائي عليك يعطي للموقف التعريف ذاته، لذا قلمي ليس وسيلة ريعية، أو كتاباتي قرع على مدخل النجومية والشهرة، إنما هي وسائل للتطهر، تشعرني بأن لي دورا حيويا، جراء ما أ قدمه لأخي الانسان من وجهة نظر، تنفعه ان استند اليها، أو الشيء ذاته ان لم يقتنع بها. لن أتخذ لفكري لونا، ولن أجعل له رمزا، إنما سأهبه للبشرية جمعاء، فيكفيها ما عانته من جور واستضعاف، اذ صدقت بوجود أناس منتجبين، الخير شميلة متجذرة في خوالجهم، لكن ما هو إلا وجه واحد من تلك الوجوه المتعددة، التي نحن مطالبون بتناول كل آية من آياتها، وتفسيرها وفق معطيات ملامسة للمنطق، دون أن نجرم بدورنا في حق أخينا الانسان، ونحجب عنه ما هو تواق لرؤيته، بالتستر على ما يردي حالته. لن أنسلخ عن جلدتي كانسان، له غيرة على هويته وموطنه، إنما سأكون المشخص لوجع ما يعانيه الانسان، المنبه لما ستترك أمراض القلوب من آثار جسيمة، المحدث عن لف ودوران الألسن، فنحن في أمس الحاجة الى بعضنا البعض، ليكمل كل واحد منا ما بالآخر من نقصان، فلوحة الحياة الوردية لا وجود لها، هي كذبة من غير المنطقي تصديقها، فمن تراه الساعة تقيا، ما هو إلا مؤد بارع لذاك الدور، أو لعل الطيبوبة خصلة موجودة فيه بالفعل، لكن تغلب عليها انطباعات أخرى، وجب علينا تخليصه منها، عن طريق ارشاده للطريق الصحيح، الملخصة في جانبه الخير، الذي سنعمل على اظهاره له وتنبيهه اليه، مشيرين الى الأمل المعقود عليه من طرف الناس، وأن ما نكتب عنه لا يمثل سوى بعض من الأحلام المرجوة، التي يرى الانسان أن في تمسكه بذاك الموضوع، حل لعقدته وانفراج لكربته، لكن حين تأكد وجود آذان صماء، يرى أصحابنا أن في كتابتنا عنها مدحا، فيحلو لها الأمر وتصاب بعجب النفس، فان لأقلام المبدع أو المفكر رأي آخر، كشف للمستور بطريقة واضحة ومباشرة، بعد أن اتخذت النصيحة تبجيلا، وتم اعتبارها ملهاة. لا أشكرك لأني مقتنع بك، او أهدف الى أن ترفعني درجات، فتسند الي مهاما تجعلني أجلس فوق كرسي، إنما أصف لك بريق العيون الحالمة بك، الطامحة بإتيان الخلاص على يديك، أعبر عن فرحها لأول وهلة تسمع فيها اسمك، ليس لكونك أنت كذلك، إنما أستدل عليك بثقتهم الممنوحة لك. كتابتي ستكون مدا وزجرا، لن تستقر إلا بعد أن يلتزم كل واحد بدوره، فيدرك أن الكاتب أو المبدع وأن مدحه، فهذا لا يعني أنه يسير في الممشى الملائم، فلربما الكاتب لم يتطرق إلا لجزء معين مما فيه، بغاية تشجيعه على فعل الخيرات، ودرء كل الاختلالات والهفوات، التجاوزات والتنازلات، فلم يعد للإنسانية من وقت كاف، حتى تستمر في انتظار القطار.