خزانة مسجد القصبة الحبسية بمدينة الصويرة، في معزل ضامر، داخل مكتبة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي توقعت أن تكون ذات مساحة أليق بما فيها من المخطوطات، وهيئةٍ أوفق لتقديرها إراحة وإتاحة للباحثين، فإذا بها أضيق وأشق، وإذا بمساحة الفراغ بين الرفوف لا تكفي لقيام الباحث، فضلا عن جلوسه وحركته وتناوله لما يقرأ ويبحث. ولو قلتَ: إنها – بالنظر إلى ذلك الضيق المُبين، وفعل التخريم الذاهب عبثا بمخطوطاتها – قبرٌ لها دُفنت فيه أثناء محتضرة؛ لَمَا بالغتَ، ثم لا تسأل بعد ذلك عن حال هذه المخطوطات من حيث الصيانة والعناية، فإنك لن تتوقع ما أصابها من أذى الإقلال ورَزِيّة الإهمال حتى نخرت الأرضة جميعها، وفتت الرطوبة أطراف أوراقها وأجوافَها تفتيتا أحالها عِهنا باليا يتساقط كلما مسستَه، إلا قليلا مما لا يقيه مَسَّ التّلَف واقٍ قريبٌ ولا بعيد. وإن خلال كل هذا من موجبات الإشفاق والغم وجالبات الحَزَن وأَلَمِ الفؤاد ما لا يوصف، ألمٍ طارد للانشراح، مع ضُرّ حسّي لا يخفى: يغشى حواسّ الجالس بينها ويقطع أنفاسه. وَلَعَمْري لو كانت هذه المخطوطات الصريعة بَشَرا لَسُورع بها – في أقل اعتبار – إلى أقسام المستعجلات من المستشفيات؛ فتداركها المُسعفون بما يستطيعون، ولو كان لتألمها المبكي صوتٌ يُسمع لَهَدّ تصديعُه أبنيةَ هذه المدينة المجاورةَ لمسجد القصبة وسورَها، فبالله أي منكر مبين هذا؟!..، وأي فتنة مضلة أحلّت الاستخفاف بحق هذه المخطوطات في الرعاية؟!!، وأي عقوق هذا الذي يُزري بأعمال علمائنا السالفين من مُوَرِّثيها: الذين ألفوا وخطّوا ونسخوا وصَفُّو وخاطوا وجلّدوا… قاصدين مُكْثِرين صابرين مصابرين محتسبين؟!..، الذين لو تأملت عملهم العظيم ذاك الذي يضاهي في خطورته وهيبته تشييد القلاع والحصون، ثم رأيت عجزنا اليوم عن تصويره فضلا عن قراءته، لَعَرَفت أن نَفَسا واحدا من أنفاس الواحد منهم لو وُزِن بأعمار كثيرين منا لوَزِنَهَا. أما كانت حقيقة بأن يصيبها – ما دامت تراثا – بعضُ ما يصيب مدينتَها من الاهتمام السياحي البالغ كَيْمَا تَخِفَّ نكبتُها وما تجدُ من مصيبة الاندثار، وإلا فإنها أعظم تراث يكون وأنفعه وأمتعه، وأجل ميراث حضاري حري بأن تُهلك في حفظه الدنيا دون حساب. وأين الجمعيات ذات الهم الوطني، الهاتفة بقداسة الوطن وحب الوطن، ذات الغيرة – زَعَمَتْ – على ثوابته وقيمه وأصالته وتراثه وفنونه وثقافته….؟! .. أتُراها تزن النفائس بميزانين؟، أم تَرى الوطن الواحد وطنَيْن؟،.. هذا تراث الوطن يباد حثيثا في صمت كصمت السُّمّ، ويغلق دونه باب خزانته كما تغلق زنزانة دون معتقل وحشي ضارّ، خُلّي بينه وبين الظلمة تنهش أنفاسه وإحساسه ليفنى على مهل….!!، تُرى كم يحتاج – بالمقياس الحقوقي – من شروط الشرف وخصال الطهر كي يصير مكوِّنا من مكونات الوطن ؟؟!! .. أم أن المخطوطات لا بواكي لها؟؟ .. وفي الميزان السياحي نفسه: أهذه المخطوطات خير أم أحلاس القصور القديمة المزيَّفة المعروضة باعتناء بالغ في أبهى المتاحف؟ …. إن رسمة الحرف العربي الواحد خلال قرطاسِ مخطوطٍ من هذه المخطوطات لَحرية بأن تعلن وحدها في لوحة زاهية، وتُعرضَ لعشاق الفن في فضاء أنيق باذخ أليق بها؛ تستجلي رفيع أذواقهم، وتستخرج غائر اندهاشهم وذهولهم. أما الغيارى من محققي التراث فلو أزيحت عن طريقهم العقبات لنزحوا إليها من كل حدب وصوب، ولأقاموا تحتها يقيدون ويفهرسون ويدرسون ويصورون، لا سيما وأن كلها مُصَدَّر بقيد تحبيس من سلطان أو عالم. إن ما أصاب بعضها من الترميم في عهد سابق؛ إنما جرى بيد صَنَاع غربية، وقد ناله أيضا جُذام التلاشي، فليتها نقلت أيامئذ إليهم مَرَّة، إذن لأصابها خير ما يحقق صيانتها من شروط الترميم الأجود الأرقى بيئة وتقديسا، ولَصُفَّت على أنعم الرفوف في أجلّ جناح داخل أرحب المكتبات وأعرقها، ولأتيحت لنا دون شروط، أو بشروط لا تحول بين الباحث وبين المخطوط؛ بل تحثه على استنقاذه بالتحقيق حثّا، وتدعمه بحسن التضييف والتشريف دَعْما. من المخطوطات التي طالعت: – أنجح الوسائل في شرح الشمائل لابن مخلص السبتي. – جامع ابن يونس. a class="_58cn" href="https://www.facebook.com/hashtag/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A7%D8%AA?source=feed_text&story_id=1262743207188856" data-ft="{"tn":"*N","type":104}"#المخطوطات a class="_58cn" href="https://www.facebook.com/hashtag/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB?source=feed_text&story_id=1262743207188856" data-ft="{"tn":"*N","type":104}"#تحقيق_التراث قيده عبد الرزاق بن محمد مرزوق. بثغر السويرة حرسها الله عصر يوم الثلاثاء 22 ذي القعدة 1438هج، الخامس عشر غشت 2017م.