هوية بريس – الأربعاء 04 يونيو 2014 ماذا فعلت يا شيخ الحسن؟ وماذا أصابك؟ من الذي «فوضك» حتى تدافع عن الصحيحين؟ كيف لك أن تفهم الرسم الكاريكاتوري على النحو الذي فهمته به؟ لماذا لم تستعمل الهرمينوطيقا والقراءة الحداثية حتى تتضح لك الرؤية وتفهم الرسالة؟ كيف سولت لك نفسك وتجرأت على التعرض لجناب جريدة «الأحداث» بسوء؟ هل كنت في كامل وعيك وأنت تصفها بجريدة «الأخباث المغربية»؟! أوَ ما كنت تعلم ما ينتظرك من الرمي بتهم: التطرف.. والإرهاب.. والتكفير.. والمروق.. والجهل.. والحمق.. والعته.. والمرض النفسي..؛ إلى غيرها من التهم الجاهزة في لائحة التيار اللائكي؟ حقيقة أستغرب لجرأتك سيدي الحسن؛ أو لنقل لشجاعتك! فقد نالك أكثر مما كنت أتوقعه، فبالإضافة إلى التهم التي رُمِيت بها، والتي بتنا نحفظها جميعا عن ظهر قلب، فقد خصصت -لمكانة عائلتك- بخصيصة الشذوذ عن الأسرة الكتانية، وانبرى للرد عليك «مدير»! يومية «الأحداث المغربية»!! تعليق قصير يزلزل منبر «الأحداث»! هل أحدث تعليق صغير للشيخ الحسن الكتاني على حائطه بالفيسبوك كل هاته الضجة؟ وهل زلزلت كلماته المعدودة عرش «الأحداث» -هذا إن كان لها عرش أصلا- حتى تنتفض انتفاضة العصفور المبلل بالماء؟ وهل كانت كلماته المقتضبة، والتي استنكر فيها استهزاء الأحداث بالصحيحين، رسالة ترهيبية كما ادعت الأحداث؟ وكيف لو قام علماء المغرب قاطبة بهبة جماعية؛ وأصدروا بحق «الأحداث» بيانات، ووقعوا على عوارض ولائحات، وتوجهوا إلى القضاء وطالبوا بإيقاف هذا المنبر عند حده، ومحاسبته على استهزائه بالمقدسات وتطرفه؟ دون أدنى شك؛ سيجن جنون «الأحداث».. وربما يصيبهم الإفراط في الرهاب بسكتة قلبية؛ أو جلطة دموية.. رد فعل «الأحداث» على تعليق الشيخ الكتاني لقد عبر «مدير» يومية «الأحداث المغربية» مختار الغزيوي من خلال مقالته «عندما يجن الكتاني» عن جانب مهم مما يجيش في صدور هيئة تحرير المنبر الذي يديره، وعن رهابهم الكبير والمبالغ فيه أيضا من كل الرموز الإسلامية، وعن درجة كبيرة أيضا من انحطاط الأخلاق وتدني السلوك في تدبير الخلاف والتعامل مع المخالف. وهذا ليس ادعاء أو تجنيا على طرف يدعي قبول واحترام الرأي الآخر مهما كان متطرفا، بل هو واقع حال، وحقيقة تجب مواجهتها والتعامل معها؛ فلم يعد أسلوب النفاق اليوم مجديا، ولا اللعب على الحبلين مفيدا. لقد استفرغ الغزيوي جهده في هذا المقال، وأخرج قاموس مصطلحاته المعتاد، وكال للشيخ الحسن الكتاني من السباب والشتم والطعن ما لو أقدم عليه ملتح بحق علماني لوجد نفسه -اليوم قبل غد- خلف القضبان، ولوجد خبره وصورته عممتا على كافة وكالات الأنباء، ولوجد القناة الثانية تدرج تقريرا على وجه السرعة في نشرتي الظهيرة والمساء، ولتابع قضيته رفقة جامع كلحسن وعصيد وبوهندي والرويسي والبريني.. في برنامج «مباشرة معكم»، ولكحَّل عينيه أيضا ببيانات التنديد من جمعيات تدافع عن «حقوق الإنسان» العلماني طبعا. نتف من قاموس سباب وشتائم «الأحداث» من جملة ما وصف به مختار من خالفه ورأى أن الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته «الأحداث» يسيء إلى الإسلام؛ قوله: – حسن شذ عنهم -أي عن العائلة الكتانية- منذ سنوات الصبا الأولى. ومع أن الشاذ لا حكم له… – سلوكات هذا الأرعن. – أن بِحَسَنٍ مَسّاً جره إلى ما هو فيه من أمور لا يسعنا إلا أن ندعو له بالشفاء منها. – ومع تقدير علة الفتى ومرضه وشذوذه. – من العيب ترك الكلاب تعتقد لمجرد نباحها أنها قوية وترهبنا. – بعض السفهاء لا يفهمون السكوت عن سفاهتهم الفهم الصحيح. – يكتب على جداره الفيسبوكي صراخا ونعيقا مضحكين. – حرارة مست رأس الرجل ومختلف أطراف جسده من أخمص القدم حتى أعلى "الرزة" التي يضعها على رأسه. – جعلته يهذي بما لا يفهم. – من يسيء إلى الإسلام حقاً أيها الأخرق..؟ – فكر في جواب ما إن كان لك عقل تفكر به، وإن كنا نشك في الأمر بشكل جد أكيد. – التكفير والقذف بالكلام الفاحش البعيد تماماً عن أخلاق المسلم السوي. – تكفيري يسب الناس أينما حل وارتحل باسم هذا الدين العظيم. هذه بعض التهم التي رمى بها «المسلم السوي» الغزيوي، «المتطرف الشاذ» الحسن الكتاني، فالمسلم السوي -بتعبير الغزيوي في المقال المذكور- يرى أن الرسم الكاريكاتوري موضوع النقاش ليس سوى إبداع للعربي الصبان و«كاريكاتور عادي وعابر، فيه إشارة فنية لاذعة لواقع نحياه ونعيشه يجعل بعضنا -من طينة حسن- يحيا بجسده معنا، وبعقله وروحه وكل وجدانه في أيام الجاهلية الأولى، أو لنقل لتلطيف الكلمات قليلا في أيام صدر الإسلام». شكرا على التلطف في العبارة، وما كنت في حاجة إلى ذلك، لأن الأمر واضح أنه سيان بالنسبة لكم، صدر الإسلام هو الجاهلية الأولى، وصحيحا البخاري ومسلم -أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، والتي لا تتضمن سوى أحاديث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام التي تنظم علاقات الإنسان في شتى مجالات الحياة- هما أيضا جاهلية أولى وتخلف؛ يجب هجرهما وإدارة الظهر لهما حتى نقبل بأريحية على الحداثة والتقدم والرقي. وعفوا آل«مختار» ليس الاستهزاء بمرجعين عظيمين تلقتهما أمة الإسلام بالقبول أمرا عاديا ولا عابرا، بل هو تصرف خطير جدا، وسلوك مستفز للغاية، وأمر مستقر يجب الوقوف عنده مليا، وتحليل بواعثه، ومحاسبة أهله؛ فلا توجد أمة على وجه الأرض تقبل العبث بثوابتها والاستهزاء بمقدساتها. فما الفرق بين الرسوم الدانماركية المستهزئة بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسوم «الأحداث» المستهزئة بسنته؟! الفرق الوحيد هو أن الجريدة الدانماركية Jyllands-Postenتصدر في كوبنهاجن، و«الأحداث» في البيضاء! حتى لا ننسى من هي الأحداث معظم المتتبعين للشأن الإعلامي الوطني يعلمون الخط التحريري ليومية الأحداث؛ والمرجعية التي يصدُر عنها كُتابها وصحفيُّوها؛ ف«الأحداث» كما أثبتُّ ذلك في مقالات سابقة بالبينة والبرهان، والعدد والتاريخ؛ جريدة علمانية متطرفة تحارب وتسخر من شعائر الإسلام كشعيرة الأضحى والحجاب والنقاب واللحية..؛ وتشجع على اقتراف الكبائر كالزنا والربا، وتطبع انحلال الأخلاق وشيوع الجنس، وتدافع عن اللواطيين والسحاقيات، وتنشر آلاف الصور الخليعة، وتحرض بالزور والكذب والبهتان على كل الدعاة والمصلحين وكل جمعية دعوية أو خيرية إسلامية نزيهة، وتتربص بالعلماء والخطباء والوعاظ لتلصق بهم تهما جاهزة وتشوه سمعتهم. كما أنها تتنكر لقضايا الأمة المصيرية، وتدعو إلى الارتماء الكامل في أحضان الغرب والسير على خطاه من غير مراعاة لهوية ولا دين هذا البلد المسلم، وتدافع عن الصهاينة وتثني عليهم، وتسيء إلى سمعة المسلمين في باقي دول العالم الإسلامي، وتصفهم بخوارج الشرق ووهابيي الطباع الذين يسعون إلى نقل دائهم ومرضهم إلينا؛ وفي مقابل ذلك تمتدح الاحتلال البريطاني والفرنسي لبلاد المسلمين؛ وتسوِّق لفكر ملاحدة الغرب ومتعلمني الشرق، وتنشر سمومهم ومقالاتهم كالقمني والعفيف الأخضر وسلمان رشدي وأركون ونصر حامد أبي زيد، وشاكر النابلسي والماغوط، وغيرهم ممن لا تفتأ جريدة الأحداث عن نشر سمومهم وتمرير نظرياتهم المعادية للإسلام شكلا ومضمونا داخل مجتمعنا. فأي عقل يمكنه القبول بهذا العبث والجنون والسلوكات والنظريات المنحرفة؟ وأي عقل يمكنه القبول بالاستهزاء بالسنة وشعائر الإسلام واعتبار هذا السلوك المتطرف أمرا عاديا وعابرا؟ ليس هناك عقل يمكنه القبول بذلك سوى العقل الذي ملئ علمانية؛ فصار صاحبه يسوي بين المقدس والمدنس، ولا يرى عيبا في السخرية والاستهزاء بالثوابت والمحكمات، وتجسيد الذات الإلهية، والتعريض بالأنبياء في الكتابات الأدبية والشعرية، والعروض المسرحية، والمشاهد السينمائية، والرسوم الكاريكاتورية. إن أصحاب هذا التوجه -والذي لا تمثل يومية «الأحداث» فيهم سوى شعرة صغيرة في جلد ثور العلمانية المجنون- هم أصحاب عقول لها ضوابط أخرى غير ضوابطنا الشرعية بكل تأكيد، لهم ضوابط اختلت معاييرها فسقط منها الاستهزاء بالإسلام وشعائره وأعلامه ورموزه، لذلك نراهم في سلوكهم وتصرفاتهم يسوون بين العقل والجنون. المؤمنون بالله والمؤمنون بالحياة في نهاية المقال؛ وفي الملحوظة التي يختم بها كالعادة الغزيوي عموده قال: «انطلقت لحظة موازين العالمية والراقية أمس الجمعة، ومعها انطلق انخراط رباطي ومغربي في الرهان على الفن والحضارة والثقافة إيذانا بأننا لسنا كائنات خبزية فقط، بل نحن قوم نتذوق أيضا ما تتذوقه أمم الحضارة. أقولها للمرة المليون: موازين ليس مهرجانا فنيا فقط. هو إعلان براءة مغربي أننا نؤمن بالحياة إلى آخر رمق فينا». فهْم «الغزيوي» للحياة فهم مادي صرف، يحتاج إلى مزيد بحث واطلاع، وانفتاح على رؤى أخرى للحياة، ذلك أن الحياة في سبيل الله أعظم من الموت في سبيل الله، وأن الإيمان بما أوجبه الله؛ والوقوف عند حدود شرعه والتزام أوامره؛ يحرر الإنسان من كل شيء، كما أن الإيمان بالحياة خارج حدود العبودية يجعل الإنسان عبدا لكل شيء. فإذا أراد شخص ما تذوُّق كل ما في الدنيا بحس مرهف ولذة عارمة؛ فما عليه إلا أن يقف عند حدود من خَلقَ فيه اللذة والذوق؛ ليتعرف مِن تم على المعنى الحقيقي للحياة. وهذا ما أدركه بعض سلفنا الصالح فقال بعبارة معبرة رقراقة: «مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته». [email protected]