أنّى لي وضع الصوفية جميعًا في سلة واحدة؟، وهل أساوي بين من كان زُهدهم على السنة ومتابعة الشريعة، أمثال الفضيل وإبراهيم بن أدهم والجُنيد، بمن غيروا معالم الإعتقاد الصحيح، وقالوا بوحدة الوجود والحلول والإتحاد أمثال ابن عربي والحلاج وابن الفارض؟، بلا شك، ليسوا سواءً. هل أساوي بين الطريقة التِجانية التي كانت تُساند وتدعم الإحتلال الفرنسي لدرجة أن (المارشال بوجو)، أول حاكم فرنسي للجزائر، قال في رسالة بعث بها إلى شيخ الطريقة التِجانية: "لولا موقف الطريقة التجانية المتعاطف لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المُفتتحة أصعب بكثير مما كان". هل أساوي بينها وبين الحركة السنوسية التي هي في مكوناتها ومنهجها أقرب ما تكون للسنة، والتي قاومت الغزو الإيطالي في ليبيا وأخرجت للأمة عمر المختار؟ تلك الحركة التي كانت تؤكد على نبذ البدع والخرافات والإعتقاد في الأضرحة، هل أساوي بينهما؟... إني إذًا لمن الظالمين. أعلمُ أن المرحلة الأولى للتصوف قامت في نهايات القرن الثالث الهجري كرد فعل لإنصراف الناس عن العلم والتزكية، وكانت هذه الطبقة من أهل الزهد المشروع، ووافقوا السنة (لم يخرجوا عنها). ومع مرور الزمن، دخل في التصوف بعض البدع، وظهرت مصطلحات جديدة مثل كلمة (زاهد وعابد)، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلمة (مؤمن ومسلم) ثم نشأت كلمة زاهد وعابد، ثم نشأ أقوام وتعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها، هكذا كان أوائل القوم ولَبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المُتأخرين غاية التمكُّن". كما استُخدمت كلمة العشق في توصيف العلاقة بين العبد وربه، وكان أبرز من استخدم هذا المصطلح رابعة العدوية، وكان أهل هذه الطبقة مُنقطعين عن الدنيا ويبالغون في الزهد إلى الحد الذي يخرجهم عن اتّباع الشريعة. وأخطر المراحل التي مرّ بها التصوف هي المرحلة الثالثة التي ضمّت ابن عربي والحلاج وجلال الدين الرومي وابن الفارض وغيرهم، واتسمت باختلاط الفلسفة البوذية والتعاليم الهندية ونحوها مع تعاليم الإسلام، ولذا ذهب كثيرٌ من الباحثين إلى أن التصوف في نشأته لم يكن محليًا وإنما وارد من الثقافات والحضارات والفلسفات الشرقية. أنا لا أعني في كتاباتي الزُهّاد الأولين أصحاب الزهد المشروع، ولا من يحذو حذوهم في عصرنا طالما لم يحيدوا عن الأُطُر الشرعية، ولا أعني حتى أولئك الذين تلبّسوا ببعض البدع في الأوراد والأذكار، نعم أنا أهاجم الذين حرفوا مسائل الإعتقاد التي كان عليها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، نعم أكشف ما كان عليه ابن عربي وأمثاله؛ ولم يأت ذلك من فراغ. فأسألُكم بالله يا معشر النُقّاد هل أغضُّ الطرف عن رجل يعتقد أن الوجود شيء واحد ولا فرق بين خالق ومخلوق؟، هل أصمت عمن يقول بأن الله تعالى يحلّ في الأجساد كما يحل السمن في اللبن؟ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، هل أجامل لتفادي النقد، وأسكت عمن يقولون بوحدة الأديان، وبأن الإنسان يتعبد بما شاء؟. استمعوا أيها الناقمون على قلمي: لقد صار قلبي قابلًا كل صورة .. فمرعى لغزلان وديرٍ لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف .. وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أنّى توجهت .. ركائبه؛ فالحب ديني وإيماني القائل هو محيي الدين بن عربي الصوفي. ثم استمع إلى جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية وهو يقول: مسلم أنا، ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي توكلت عليك أيها الحق الأعلى، فلا تنأ عني لا تنأ عني ليس لي سوى معبد واحد، مسجدًا كان أو كنيسة أو بيت أصنام يا قوم، ألا يثير غيرتكم على دينكم أن يقول أصحاب عقيدة وحدة الوجود "إن عُبّاد العجل ما عبدوا إلا الله، وإن فرعون كان صادقًا في قوله أنا (ربكم الأعلى) بل هو عين الحق"، ونحو ذلك مما يقوله ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم؟، ألا تشمئزون من قول التلمساني الصوفي "إن القرآن كله شرك؛ لأنه فرق بين الرب والعبد، وليس التوحيد إلا في كلامنا"؟. هؤلاء من أهاجمهم وأهاجم من تأثر بهم وروّج لهم، أهاجم أصحاب الطرق الصوفية المُعاصرة، الذين انسجموا مع أميركا والغرب، واستجابوا لمخططاتهم في أن يكونوا أداة في أيديهم لضرب الإسلام. سلوا القوم عن شيخ النقشبندية القابع في أميركا، هشام قباني، عن علاقاته بالإدارة الأميركية، ودوره في محاربة التيار السلفي أو ما يُسمّونه الوهابي، اقرؤوا في تقارير مؤسسة راند الاستشراقية التي تخدم صناعة القرار السياسي في أميركا، وكان لها دورها في غزو العراق؛ ستجدون التوصيات المتكررة الجادة في ضرورة دعم الصوفية للقضاء على ما يسمونه الإسلام السياسي. وفي ذلك، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلَّفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدِّين الرومي". اقرؤوا في توصيات معهد نكسون الأميركي بمؤتمر "فهم الصوفية والدور الذي ستلعبه في رسم السياسة الأميركية" 2003م، ومن هذه التوصيات: "إعادة بناء الأضرحة للأولياء ومراكزهم التعليمية المرتبطة بهم، تشجيع نشر أعمال حول الصوفية ونشر ترجمات للنصوص الصوفية، تشجيع دمج القيم الصوفية مع قيم المجتمع المدني في المؤسسات التعليمية، نصح مختلف أمم آسيا الوسطى بتبنّي موقف مُنفتح تجاه إحياء النقشبندية على وجه الخصوص". إنني أهاجم مشايخ الصوفية الذي يُناصبون التيارالإسلامي السُنّي العداء، وسَخّروا أنفسهم لخدمة الأنظمة الديكتاتورية؛ يُشرعنونها ويُبيحون لها الدماء الطاهرة: "اضرب في المليان"، "طوبى لمن قتلهم وقتلوه"، وكل لبيب بالإشارة يفهم. أنتقدُ الطرق الصوفية التي جعلت من نفسها معبرًا للشيعة، ينفُذون من خلالها إلى البلاد، تحت مظلة التلاقي على محبة آل البيت، وأبرزها الطريقة العزمية في مصر، والتي تُنافح في مجلتها عن عقائد الشيعة، ولها صلاتها المشبوهة بإيران، وسبق أن طالبَتها بإنشاء قناة صوفية لها بتمويل إيراني. أهاجم الخرافات الصوفية التي شوهت صورة الإسلام أمام الغرب، وحالت بين أبنائه وبين الوصول إلى حقيقة الإسلام. فهل يعتنقون دينًا يعبد أهله الأضرحة والمقامات ويتمرغون في ترابها؟، هل يعتنقون دينًا عبادة أهله رقص وتمايل وتطاير في الهواء، وصراخ وعويل وجنون؟، وهل هذا شأن أمة تسعى للنهوض واللحاق بركب التقدّم والتطور والعودة إلى المجد التليد؟. إنني أهاجم أولئك الذي احترفوا الإحتيال على العباد بحجة الكرامات والأضرحة وبركات الأولياء، واستنزفوا ثروات البلاد ووضعوها في جيوبهم. هل تعلم أن حصيلة النُّذور التي جمعت من الأضرحة في مصر في إحدى السنوات بلغت 25 مليونًا ويزيد؟، حتى إن (الإمام الصنعاني) قد ذكر في عصره أن سدنة الأضرحة من أكثر الناس مالًا. هؤلاء من أكشفهم وأتناولهم بالنقد، أترون في ذلك بغيًا وعدوانًا؟أترون في ذلك تطرفًا وغُلوًّا؟