هوية بريس – نبيل غزال اعتبرت يومية الأحداث في عددها الصادر اليوم الأربعاء 25 يناير 2017 أن "من يدافع عن النقاب من وجهة نظر دينية يضلل المغاربة"، لكونه "يتحدث لهم عن معايير اللباس في الفقه الإسلامي"، مع أن النقاب "لا يقصد به ما تغطي به المرأة جسدها"، وإنما "ما تغطي به المرأة وجهها". ومن أنواع النقاب -وفق الأحداث دوما- البرقع، وهو "قناع كان يوضع على رؤوس الدواب، وأصله خرقة صغيرة فيها ثقبان للعينين، كانت توضع على رؤوس الخيل ثم لبسته نساء الأعراب، ومن هنا المثل العربي الشهير تحت البراقع سم ناقع، لما عرف عن الأعراب من نفاق بشهادة القرآن نفسه". اه. وهذا تفسير عصري حديث لكلمة البرقع، أنتجته عقلية الإقصاء، وأشهرته ثقافة الحقد والكراهية، ذلك أننا نجد كتب اللغة المعتمدة عرفت البرقع أنه "نقاب أو حِجاب أو غِطاء للوجه، تستر به المرأةُ وجهَها"، ويقال: "برقعتِ المرأةُ وجهَها، أي: غطّته بالبرقُع وهو النّقاب أو الحجاب". ولا يعني -طبعا- لبس المرأة لهذا اللباس أنها صارت طاهرة أو معصومة من الذنوب، وهذا أمر معروف لا يحتاج منا إلى بسط كلام، لكن هدف الطاعنين في النقاب والمتهجمين على النساء اللواتي لبسنه، تدينا وتشبها بأمهات المؤمنين، هدفهم هو محو كل مظهر يذكرهم بالله وأوامره ونواهيه، ومن قبل قال قوم لوط: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}، وقال قوم شعيب لشعيب عليه السلام: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}. فالتميز بين أهل الدين -الذين يريدون أن يعيشوا حياتهم وفق الأمر والنهي الإلهي-، وأهل اللادين الذين يريدون أن يعيشوا حياتهم (سُدًى)، لا يؤمرون ولا ينهون، كان سبب صراع طويل مرير، حصدت جراءه أرواح، وانتهكت بسببه حقوق بني آدم. ذلك أن اللادينيين تغيظهم مظاهر التدين وعودة المرأة بشكل قوي للحجاب، وأي حجاب، إنه حجاب الزمن الأول التي يراعي الشروط الشرعية. فأمر طبيعي وعادي أن تغيظهم قطعة قماش تضعها المرأة فوق رأسها ووجهها، لينتقلوا من لحن القول إلى الكلام الواضح الصريح بل إلى التهجم القميء القبيح، من قبيل تشبيه المرأة العفيفة المسلمة، التي ترتدي النقاب في زمن العولمة والمسخ الفكري والسلوكي، بالدابة والخيمة المتنقلة، والافتراء بأن (تحت البراقع سم ناقع). فإذا كان تحت البرقع سم ناقع فما عسى يحويه التبرج والعري ونموذج المرأة الذي تسوقه هذه المنابر العلمانية المتطرفة.. المضحك في موضوع النقاب هو محاولة استدلال، لا "الأحداث" وحدها فحسب، بل عدد من المنابر، بكتاب الشيخ الألباني رحمه الله "جلباب المرأة المسلمة"، مدعين أن الشيخ السلفي لا يعتبر النقاب حجابا شرعيا، وهذا ما يكشف إضافة إلى أميتهم الدينية، جهلهم الكبير بكتاب هذا العالم الذي كانت زوجاته وبناته منتقبات. مقال (البرقع) الذي نشرته الأحداث على صفحتها الأخيرة، وأضافته إلى سجل تاريخها الحافل في الحرب على القيم والأحكام الشرعية، اعتبر كاتبه أن "لباس الجدات ليس هو المشكل في المغرب، المشكل هو تيار ديني استورد لنا في هذا البلد أنواعا من البراقيع تشكل جزء من نظرته الاحتقارية للباس المغربيات في الماضي كما الحاضر، ببراقيع تحتقر المرأة وتساويها بالدابة، فكيف يكون هذا حقا من الحقوق؟". فهذا المنبر الذي يخدم أجندات وأحزاب ذات مرجعية معروفة ومعلنة، يحاول الحفاظ على تواجده والنماذج المعيارية التي يطبعها في المجتمع، فكيف لمنبر ينشر يوميا عشرات الآلاف من الصور الجنسية المثيرة، أن يدافع عن العفة، فالعاهرة لا تدافع عن الشرف، لذلك فهي تسعى بكل جهدها إلى تشويه صورة العفيفات وإن بتشبيههن ومساواتهن بالدواب، ومطالبة سلطات الداخلية باستصدار قانون منع لبس النقاب. فكل شيء ليس مستغربا من هذه الكائنات الإعلامية المتحولة حسب الفصول والوقائع والأحداث، يبقى الأمر الوحيد الذي يضع هذا المنبر في حرج هو ادعاؤه الدفاع عن الحريات في كل الاتجاهات، باستثناء حرية المنتقبات، بدعوى أن لباسهن مستورد من خارج البلد، وكأن اللباس الذي يباع في الأسواق أو الذي تغري به "الأحداث" من ابتلي بالاطلاع على بعض صفحاتها خاطته الجدات وتركته لنا على رفوف الدولاب لتلبسه المغربيات بعدهن. [email protected]