هوية بريس – إبراهيم بَيدون في خطوة غريبة ومستفزة، قام رجال السلطة وأعوانهم بعدد من المدن المغربية بشن حملة على محلات بيع وخياطة "النقاب" و"الخمار"، لإخبارهم بصدور قرار بمنع بيعه وخياطته، وأمهلوا الباعة يومين لبيع بضاعتهم أو التخلص منها. وجاء في أحد إشعارات الإخبار ب"منع وإنتاج وتسويق لباس البرقع" في تارودانت "تبعا للمعاينة التي قامت بها مصالح السلطة المحلية لمحلكم، حيث تبين أنكم تقومون بخياطة وتسويق لباس البرقع، فإني أدعوكم إلى التخلص من كل ما لديكم من هذا اللباس، خلال 48 ساعة من نسلم هذا الإشعار، تحت طائلة الحجز المباشر بعد انصرام هذه المهلة، مع الامتناع الكلي عن إنتاجه وتسويقه مستقبلا". وبالرغم من أن الإشعار استعمل لفظة "البرقع" للإحالة على نقاب دخيل!! فإن الأمر يتعلق بعموم النقاب (ما يغطي الوجه)، وذلك لأنهم يربطون علة المنع باستغلاله للمس بالأمن العام أو القيام بأعمال إرهابية، ومما يدل على أن المقصود هو النقاب بمجمله تعليق الدعاة العلمانيين المتطرفين على هذا القرار. فقد كتب سعيد الكحل معلقا في حسابه على "فيسبوك": "طالبنا من زمان بالمنع ولا من سمع. لكن وقت ما جا الخير ينفع"، وقال في تدوينة أخرى: "قرار حكيم ويجب تفعيله بكل صرامة لأن الإرهابيين يتنقلون متسترين بالنقاب. النقاب يهدد الأمن الوطني. ولي تشوف فراسها عورة تجلس في دارها، ولي تشوف رأسها أفغانية تمشي عند طالبان أو نجدية تمشي لنجد". وتحت عنوان مستفز نشر موقع الأحداث المغربية خبر: "المغرب يمنع البرقع رسميا"، علق عليه مدير اليومية، المشهور بمواقفه المنحلة اتجاه المرأة، المختار الغزيوي بقوله: "عندنا اللثام والحايك وجلالب الاحترام، ومابغيناش لباس الطالبان.. النقاب ماشي حرية شخصية. النقاب اختيار اجتماعي وسياسي واضح". كما قالت حنان رحاب عضو المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد الاشتراكي: "الدولة يحق لها أن تسمح وتمنع بقوة القانون، يمكنها الحد من أي مظهر سياسي يسبب أذى اجتماعيًا أو يبرز تميزًا عنصريا أو يؤدي إلى اعتداء على القانون بسببه، فالذي يسير في الطريق يجب أن تعرف هويته، وهويته في وجهه المكشوف، وبالتالي فمنع النقاب أو البرقع لا يعتبر تعديا على الحريات الشخصية مادام لمصلحة اجتماعية وضمن القانون". وكتبت زميلتها فدوى رجواني صحافية في يومية الاتحاد الاشتراكي على جدار حسابها في "فيسبوك": "البرقع لباس يحمل أيديولوجية مظلمة رافضة للاختلاف إرهابية في عمقها ومنعه مساس بالحرية الفردية اي نعم ولكن عندما يصبح الأمر، اي امر، يشكل تهديدا للأمن العام المشترك فالمنع يصبح مباحا بل مطلوبا..". وفي المقابل علق السياسي عادل بنحمزة الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، مستنكرا القرار والحملة الأمنية ضد متاجر ومحلات بيع وخياطة النقاب، متسائلا: "هل هناك قانون في المغرب يمنع النقاب أو البرقع؟". وهو الأمر الذي أكده الحقوقي محمد زهاري الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في حسابه على "فيسبوك" حيث كتب: "وتستمر القرارات الارتجالية لوزارة الداخلية.. تفاجئنا اليوم نفس السلطات بحملة لمنع إنتاج وتسويق وبيع "النقاب" أو "البرقع". بالاختصار المفيد هذا قرار ارتجالي يمس بالحياة الخاصة للأفراد، ولا يستند على نص قانوني يتعلق ببيع وتداول مثل هذا اللباس، ومن شأن تنفيذ هذا القرار الارتجالي التعسفي أن يكرس لسلطة الاستبداد والظلم، والمس بحرية العقيدة. فيا سلطات الداخلية إن كل ممنوع مرغوب فيه، وما هكذا تورد الإبل يا حصاد". أما الدعاة والعلماء فعلق بعضهم على النحو التالي: د. حميد العقرة: "قرار منع الخمار والسدل بالمملكة المغربية ينافي الشريعة الإسلامية والحرية الشخصية. الحملة التي بدأتها وزارة الداخلية ببعض المدن المغربية لمنع بيع الخمار والسدل الغرض منها منع حجاب شرعي اختارته أخواتنا وأمهاتنا عن رغبة واقتناع، لماذا لا تشن هذه الحملات على محلات بيع ملابس العري المفضوح وهي بالمئات؟! المغرب بلد مسلم آمن مطمئن فلا توغروا صدور المغاربة وتستفزوا مشاعرهم الدينية. وجب البيان معاشر الدعاة والعلماء والمنابر الحرة". د. البشير عصام: "الحمد لله.. بمقتضى الشريعة الإسلامية بجميع مذاهبها: لا يجوز للدولة منع صنف معين من الحجاب أو النقاب، هو مشروع اتفاقا. بل الواجب عليها منع الألبسة العارية المحرمة في الشرع عموما، وفي المذهب المالكي خصوصا. بمقتضى دين العلمانية: لا يحق للدولة منع الأفراد من ممارسة حريتهم الشخصية في اللباس، وعلى هذا فمنع لباس معين مناقضة صريحة لأصول العلمانية. بمقتضى فقه الواقع ومبادئ السياسة: منع المواطنين من بعض حرياتهم، تشجيع على الخيارات المتطرفة والعنيفة في التعامل مع الدولة والمجتمع". الشيخ الحسن الكتاني: "ليس في المغرب شيء اسمه البرقع ولا أعرف امرأة واحدة تلبسه ولكن الفرنسيين سموا لباس العفاف البرقع فتبعهم الناعقون عندنا تقليدا بدون تفكير. وليس في المغرب لباس أفغاني للنساء بتاتا ولكن الموجود هو لباس عملي مستوف للشروط الشرعية انتشر في بلاد المسلمين كلها فلبسه النساء الصالحات لكونه مستوفيا للشروط التي دونها علماؤنا في كتبهم. هذا كل ما في الأمر. فمن زعم أن لباس الصالحات لباس دخيل فليوحد لباس جميع المغربيات وليرجعهن جميعا للباس التقليدي القديم ثم بعد ذلك يمكن أن يكون لكلامه منطق مفهوم. أما ترك النساء يلبسن آخر الصيحات الأوروبية ومنعهن من لبس آخر الصيحات المشرقية فهذا تحجير على طائفة كبيرة من المغاربة وهو تفرقة عنصرية مقيتة لا يؤيدها دين ولا منطق". الداعية الشاب رضوان بن عبد السلام: "انتشرت صورة لورقة من الداخلية تمنع بيع وخياطة البرقع (النقاب)، وإذا أصدرت الدولة قرارا مثل هذا وفي هذا الوقت..! فهذه الخطوة ستكون هي النقطة التي ستفيض الكأس وستفتح على نفسها أبواب الشر والفوضى.. فهذه مسألة العِرض والشرف. والرجل المسلم الغيور قد يصبر على كثير من المصائب ولكنه لن يصبر على هتك عرضه وإذاية أهله. وإذا كان هذا الخبر صحيحا وانتشر هذا القرار فحينها وجب على الناس إنكاره والرد عليه والتحذير من تبعاته!!". وكتب الأستاذ إبراهيم الطالب مدير "أسبوعية السبيل": "قرار منع تسويق النقاب قرار جائر هو استمرار طبيعي لخطة محاربة أسلمة المجتمع المغربي، هذه الخطة أو الاستراتيجية، اتُّخذت بشأنها كثير من الخطوات نجمل بعضها في النقاط التالية: – عزل كل الخطباء الذين يحركون المصلين إلى المزيد من التشبث بالدِّين – إغلاق دور القرآن التي كانت تنشر هذا النوع من اللباس بقوة – شيطنة المتدينين سواء في العمل الجمعوي أو الحزب بل حتى في الحكومة – التضيق على الخطبة والمنبر من خلال تكميم أفواه العلماء والخطباء وعدم السماح لهم بانتقاد من يشجع على الفجور والفساد بدعوى حيادية المساجد. – إغلاق مدرسة الفطرة بطنجة التي أبانت عن كفاءة عالية في التربية والتعليم والامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي الذي ألغى قرار الأكاديمية وحكم بفتحها، وبالمقابل حاصرتها السلطات بعشرات رجال الأمن. – إغلاق مدارس الفاتح – التضيق على أنشطة الجمعيات في ممارسة الأنشطة ذات الصبغة الدينية داخل المؤسسات التعليمية وخصوص التعليم العتيق. ثم تلاها قرار: – منع بيع النقاب، الذي قوبل بامتعاض شديد من قبل كل الشرائح المجتمعية. ولن يكون بالتأكيد آخرها". وفي حين شكك البعض في صدق تبني وزارة الداخلية لحملة منع بيع النقاب (البرقع) وخياطته، وذهب آخرون من المعارضين والمؤيدين إلى أن هذه الخطوة تسبق قانون منع لبسه؛ ننتظر توضيحات من وزارة الداخلية، وكافة السلطات المعنية، لأن هذا القرار ولد سخطا كبيرا لدى شرائح واسعة من المجتمع المغربي، وتسبب في التضييق على المنتقبات في خروجهن للشارع والحياة العامة.