هوية بريس – الأربعاء 19 فبراير 2014م هذا بيان أضعه بين يدي القارئ ليزداد بصيرة بحجم هذا المرض الفتاك (تقديس القبور والأضرحة) وللممارسات غير الشرعية التي تقوم بها العامة تحت سمع وبصر بعض العلماء، ومما يندى له الجبين أن بعض العلماء يشارك في هذه الطقوس المبتدعة تحت اسم مولد الولي فلان أو الرجل الصالح علان. ومن هذا القبيل شد الرحال لما يسمى بالعتبات المقدسة وما يحصل فيها من استغاثات للأموات وتمسح بها؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ويقف على رأس هذه البدع: ما يتعلق بالقبور؛ فقد أصبح اتخاذ القباب والأضرحة على قبور من يُعتقد صلاحهم أحد ذرائع البدع القولية والعملية، والكبيرة والصغيرة في حياة الناس. والقبة عبارة عن بناء شاهق يُتخذ على شكل مخروطي أو نصف كروي، يقام على قبر من يُعتقد فيه الصلاح والولاية.. ولكن كيف يعرف احتواء هذا القبر على من يعتقد في صاحبه الصلاح أو الولاية؟.. ومن حيث أماكن اتخاذها تنقسم القباب والأضرحة إلى قسمين: أ- قباب تبنى في مقابر المسلمين العامة، حيث تبدو القبة شاهقة وسط القبور. ب- قباب تبنى في المساجد، أو تبنى عليها المساجد، وقد تكون في قبلة المسجد، أو في الخلف، أو في أحد جوانبه. فلا يخفى أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطم في غالب البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه القبور مزارات و(مشاعر) يقصدها الناس، ويشدون إليها الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع الدعاوى والشبهات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله -تعالى-. إن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني، وفي هذا المقالة نورد بعض المسالك الرئيسة التي تسهم في حل وعلاج انحرافات القبوريين وشبهاتهم. – المسلك الدعوي: ويتمثل هذا المسلك من خلال عدة أمور: 1- أن يُعنى العلماء والدعاة بتقرير التوحيد في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد -من خلال القصص القرآني وضرب الأمثال- وضرورة تعلق القلب بالله -سبحانه وتعالى- ، وأن الله -عز وجل- هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءً. وأن يضمّن هذا التقرير بيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم -فضلاً عن غيرهم- نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. وأن يسعى إلى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخبار الأنبياء -عليهم السلام- والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة. 2- أن تربى الأمة عموماً -وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً- على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها. يقول سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65). وإذا كان بعض طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية والإذعان والتسليم لقرارات الأممالمتحدة؛ فإن علينا – معشرَ الدعاة إلى الله – أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله -تعالى- والإذعان لشرعه يقول أبو الزناد -رحمه الله-: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه). 3- أن يدعى الناس إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا رفع مثلها من السنة، والنفوس إن لم تشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك. وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين وسرور قلب 4- دعوة المخاطبين إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، وحثهم على التأمل والتفكر في معاني القرآن، كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (ص:29). وقال -عز وجل-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82). وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه. فإذا نظرنا -مثلاً- إلى مسألة إفراد الله -عز وجل- بالدعاء والاستغاثة، فإنها من أوضح الواضحات في كتاب الله، فقد تحدث عنها القرآن في ثلاثمائة موضع، ومع ذلك فما أكثر الذين يتلون هذه الآيات بألسنتهم وينقضونها بأفعالهم وأحوالهم. يقول العلاّمة حسين بن مهدي النعمي -رحمه الله- متحدثاً عن ضلال القبوريين: (لا جرم لما كان ملاك أمر الجميع وحاصل مبلغهم وغايتهم هو التلاوة دون الفقه والتدبر والاتباع، خفي عليهم ذلك، وعموا وصموا عنه، وأنّى لهم ذلك؟ وقد منعهم سادتهم وكبراؤهم من أهليهم، وممن يقوم عليهم ويسوسهم، وقالوا: كتاب الله حجر محجور، لا يستفاد منه، ولا يقتبس من أنواره، ولا ينال ما فيه من العلم والدين.. فلعمر الله للخير أضاعوا، وللشر أذاعوا، وإلا فلولا ذلك لكانت هذه المسألة [إفراد الله بالدعاء] من أظهر الظواهر، لما أن العناية في كتاب الله بشأنها أتم وأكمل، والقصد إليها بالتكرير والتقرير والبيان في كتاب الله أكثر وأشمل). ويقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله في هذا المقام-: (فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه). وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ القرآن وأحكامه. يقول ابن القيم عند قوله: (لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79). (دلّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي). يتبع..