هوية بريس – الشيخ عمر القزابري بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام: يستعد الحجاج لمعانقةِ رِحابِ الارتقاء إلى عوالم النور، وامتطاء نُجُبِ الحب، وتكحيل العين برؤية البيت العتيق الذي جعله الله مثابةً للناسِ وأمنا، يستعدون وقد حُمِلُوا على بُسُطِ الشوق، ونادى البشير أن قد قَرُبَ موسم البَوْحْ، بَوْحِ النفس بين يدي عَلامِ الغُيوب الذي يعلم السِّرَّ وأخفى، والذي مَنَحَ لعباده فُرَصَ التزكية والترقية، وجعل الحج مِن أعلاها وأرقاها.. حيث يَتقلَّبُ المُحِبُّونَ بين تلكم الرِّحاب، متعرِّضينَ لِمِنَح الوَهَّابِ، فسبحان من يَمُنُّ على عباده، فيغفرُ لهم ذنوبهم، ويقضي حوائجهم، ويستر عيوبهم، بل ويُشهِد ملائكته على مغفرته لهم، وذلك في يوم عرفات، حيث يدنو رب البريات، من الواقفين في تلك العرصات، فيقول لملائكته مباهيا بعباده، هؤلاء عبادي جاؤوني شُعْثًا غُبْرَا، أُشْهِدُكم أَنِّي قد غَفَرتُ لهم، يُشهِد على ذلك ملائكته وكأنه جل اسمه يُذَكِّرُهُم بقولهم يوم أن أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فطوبى لعبد دخل في زُمْرَةِ المُباهَى بهم، وطوبى لعبدٍ وقف على باب مولاه، يبكي ذنبه، ويشكو عيبه، ويرجو الفِكَاكَ مِن نارٍ تلَظَّى، طوبى لعبدٍ اسْتَشْعَرَ المعاني، فَنَزَعَ مِن قلبه كل كِبرٍ يبعده عن رياض مولاه، وعلم أنه مهما علا فهو عبد ضعيف فقير إلى مولاه. ما أجملها وأجلَّها من عبادة سنية، تجعل العبد يتقلب في مواطن النور، من طوافٍ إلى سعيٍ إلى نزولٍ بمِنى ثُمّ وقوفٍ بعرفات، حيث تتهاطل النفحات، فمبيتٍ بمزدلفة، ثم رمي للجِمار، وتخلص من الأغلال والآصار، وغير ذلك من المناسك التعبدية، التي تُخصص وتُخلص، تخصص بتحقيق التزكية، وتخلص من الذنوب المردية (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، ما أعظمك ربنا وأحلمك، ذنوب سنوات، تمحى في لحظات (ومن يغفر الذنوب إلا الله) فالحمد لله على نعمة الاسلام، وفي الحج تتحقق قضية الأخوة، وتتقارب القلوب، وتسقط الفوارق، وتلكم أسباب العزة، فالحج بهذا الاعتبار أكبر مدرسة للتّحلي بجميل الأخلاق، وبالأخلاق تفتح مغاليق القلوب، وفي الحج تتلاقح الأفكار، ويُحتفل بمولد الإنابة، وتمنح جوائز الإجابة.. فاللهم أحفظ الحجاج، وأحطهم بعنايتك، واشملهم برعايتك، وأكرمهم بالقبول، وأعدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين.. اللهم احفظ بلدنا، وأدم أمننا، وانصر ملكنا، واحفظ سائر المسلمين في كل مكان.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.