بعد أن اطمأن الغرب الداعم لإسرائيل على النسيان الذي طال القضية الفلسطينية، بدأ مسلسل التطبيع يتوسع بين إسرائيل وبعض الدول العربية. النسيان والتطبيع هما السمتان اللتان طبعتا الفترة الماضية، والتي جعلت الغرب الداعم لإسرائيل بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية يسير بسرعة قصوى نحو مشروعه "الشرق الأوسط الجديد". وقد بلغت هذه السرعة قوتها القصوى بإعلان اقتراب ترسيم التطبيع مع المملكة العربية السعودية مطلع العام القادم كأقصى تقدير. كان الغرب يتحدث عن التطبيع وتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل، وبدا للمتتبعين أن القضية الفلسطينية، تحولت إلى قضية إسرائيل وربط علاقات مع الدول العربية، مع طي صفحة المقاطعة والحصار المطبق على الكيان الصهيوني من قبل الدول العربية. كان التطبيع يتم بشكل فردي مع كل دولة عربية على حدى، ولذلك لم تكن حقوق الشعب الفلسطيني مطروحة في جدول الاتفاق، مادام التطبيع يتم بشكل فردي مع إسرائيل برعاية أمريكية. فالاتفاق الذي قامت به الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل، كان عنوانه البارز هو الاستثمارات الغربية والتكنولوجية الأمريكية. أتبعه تطبيع السودان تحت يافطة سحب الدولة من اللائحة السوداء ورفع العقوبات وشطب الدين الخارجي والمساعدات الأمريكية. ثم جاء التطبيع مع المغرب تحت عنوان الاعتراف بالصحراء المغربية ودعم هذا الاعتراف في الأممالمتحدة. وكان مقررا أن تسير المملكة العربية السعودية في نفس الاتجاه مقابل اتفاق أمني طويل الأمد مع أمريكا ودعم بناء مفاعل نووي في المملكة والاستثمار في المشروع الضخم "نيوم" الذي يشكل الركيزة الأساسية لرؤية "السعودية 2030". كان هذا هو المشهد السياسي الذي طبع العلاقات العربية الإسرائيلية، وكان على المتتبعين أن يستشفوا من هذا الواقع أن الغرب بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية قد اتخذ قراره بتصفية القضية الفلسطينية. إلى….أن جاءت عملية طوفان الأقصى، فأربكت كل الحسابات الأمريكية والأوروبية، وجعلت القضية الفلسطينية، تطفو من جديد وبقوة أكبر، على الساحة العربية والعالمية. إن هذا الدعم المطلق وبدون حدود الذي أبان عنه الغرب اتجاه إسرائيل، يقطع الشك باليقين في كون قرار تصفية القضية الفلسطينية، قد اتخذه الغرب بقيادة أمريكا، منذ مدة وهو يعمل جاهدا على تنزيله وفق أجندات محددة. ومما يؤكد هذا الأمر كون الإعلام الغربي يتحدث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكأنه وُلد في 7 أكتوبر الماضي، ناسيا أو متناسيا أن القضية عمرها لحد الآن أكثر من 75 سنة. لقد كانت ضربة طوفان الأقصى، مفاجأة غير متوقعة ليس بالنسبة لإسرائيل فحسب، وإنما لأمريكا وأوروبا كذلك، لأنهم كانوا مطمئنين لسير مخططاتهم المتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها من حقوق مشروعة لشعب يطالب بوطنه، إلى مساعدات إنسانية لشعب لاجئ ومحاصر في المخيمات. إن زيارات زعماء الغرب المتتالية لإسرائيل، إنما تعكس مدى الصدمة التي تلقتها مخططات تصفية القضية الفلسطينية، جعلته لا يقبل التظاهرات المساندة لفلسطين، ولا حتى التعبير عن المساندة في وسائل التواصل الاجتماعي. لقد تمكنت عملية طوفان الأقصى من جعل القضية الفلسطينية تحظى باهتمام عالمي كبير، وذكَّرت الضمير العالمي بأن النسيان والمؤامرات الغربية، لن يطال قضية عادلة لشعب يقاوم الاحتلال. عملية طوفان الأقصى، أحيت من جديد القضية الفلسطينية، وأعادت التاريخ الفلسطيني إلى الواجهة. فإذا كان الاعلام الغربي يحاول حصر القضية الفلسطينية في عملية 7 أكتوبر، فإننا نجد الكثير من الأصوات الحقوقية والحرة تُذكر بنكبات 1948 و1967 وحرب أكتوبر 1973 والحروب التي قادتها المقاومة ضد الاحتلال. هذا النقاش هو ما يخشاه الغرب المساند لإسرائيل، لأنه يراهن على النسيان وعلى التطبيع في مخططه القاضي بتصفية القضية الفلسطينية. لكن عملية طوفان الأقصى، خلقت النقاش من جديد حول تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما سيطرح تحديات كبيرة أمام المخططات الغربية. تطورت القضية الفلسطينية في العالم العربي، فأصبحنا نتحدث، بعد نكبة 1967، عن الموقف الشعبي العربي والموقف الرسمي العربي. فهل بعد طوفان الأقصى، سنصبح نتحدث عن الموقف الغربي الرسمي الذي يريد تصفية القضية الفلسطينية، والموقف الغربي الشعبي الداعم للحقوق الفلسطينية، والذي بدأ يرفع صوته عاليا وبكل وضوح في إدانة الموقف الغربي وفضح نفاقه وابتعاده عن قيم الحداثة وفكر عصر الأنوار. وما تصريح وزير المالية اليوناني السابق الذي وصف الغرب بالمنافق مقابل عدالة الحق الفلسطيني، إلا صيحة كبيرة في عالم غربي يستفيق فيه ضمير شعوبه.