يفترض بداهة، أن تمثل مدونة الأسرة، التي يجري إعدادها اليوم، جوابا علميا وتربويا وقانونيا، منصفا ومعقولا، لمجموع الوقائع والإشكالات والمطبات، التي تعترض عموم المواطنات والمواطنين، في علاقتهم بذويهم وعوائلهم، ما يعني أن هذه المدونة، تستهدف بالضرورة، تجويد وتنظيم وترقية الحيوات الشخصية والأسرية والإجتماعية، للمخاطبين بها ؛ وما دامت عوارض الحياة وقضاياها وأسئلتها لا تتوقف، فالمطلوب من المدونة بداهة وبالتبع، أن تواكب باستمرار هذا التجديد والتغير، عبر إبداع حلول ومقاربات جديدة، تجيب عن مجمل هذه الأسئلة والقضايا المستجدة ؛ فغاية المدونة في النهاية، تكون، ويجب أن تكون، هي مصالحة المواطنين جميعا، رجالهم ونسائهم، مع ذواتهم وواقعهم، وتذليل كل العقبات والصعاب والمسلكيات، التي تحول دونهم، ودون ممارسة حياتهم بشكل صحيح وسليم ؛ من هنا، لا بد أن نستصحب معنا، واقع الناس بكل تفاصيله وحمولته، الثقافية والتربوية والإجتماعية، ونحن نناقش ونعد بنود هذه المدونة، حتى لا تتحول إلى مجرد مراسيم وقوانين جافة وجامدة، لا تخاطب المواطنين والمواطنات، ولا تعنيهم بما هم كائنات بشرية واجتماعية، تعيش داخل أوساط ومستويات مختلفة، بإكراهات متنوعة ؛ ولنا أن نفكر في النقاشات الهامشية، التي أثارتها تطبيقات الكثير من بنود المدونة في صيغتها الحالية، حين تحولت إلى ساحة للصراع بين الذكور والإناث حينا، وبين بعض الإختيارات النظرية والفكرية، حينا آخر ؛ من هنا، لا بد من استحضار واستصحاب الأبعاد الإجتماعية والتربوية والثقافية، أثناء عرض الإشكالات ومناقشتها، فالطلاق مثلا، قبل أن يكون تدبيرا قانونيا وشرعيا، يفضي إلى فسخ عقد الزواج، هوأساسا مشكلة تربوية، تقتضي الإجابة عن أسئلة محددة مثل ؛ لماذا يحدث الطلاق ابتداء، ولماذا بهذا الحجم والكثافة اليوم ؟ وفي مجتمع يقول إنه مسلم، يرتبط فيه الزوجان بعقد شرعي ؛ لماذا تحتدم الخلافات بين الأزواج، ولماذا تتفاقم سريعا ؟ ولماذا لا يتمكن العديد من الأزواج من معالجة خلافاتهم ؟، بشكل ودي ولائق ؟ ولماذا يتجه بعض الأزواج إلى فض خلافاتهم، بأساليب قوامها العنف، الرمزي أوالمادي، أو هما معا ؛ الإعتداء بالضرب، الضغينة والكراهية، الشعوذة والدجل وما إليها ؟ ما يعني غياب أية فكرة إيجابية، عن معنى الزواج والإقتران، حيث يضمر البعد الإنساني والقيمي، وتتحول الحياة الزوجية إلى تدبير أناني للمصالح والذاتيات، بتحفيز سلبي من بعض الأقارب وأفراد العائلة، وأصدقاء السوء ؛ وقبل ذلك وبعده، ما سر كل هذا العزوف الواضح عن الإرتباط بعقد زواج، في صفوف بعض الرجال والنساء، وفي المقابل، ما سر هذا التسرع في الإرتباط بالنسبة للبعض الآخر ؟ ؛ هنا، تحضر كل الأسئلة المركزية، وأمهات المسائل، التي يفترض أن تحكم هذا البناء، الذي نسميه مدونة للأسرة، وأن تسنده من خلف ؛ العلم والمعرفة، التربية والخلق الجميل، الشغل والسكن والكفاية المادية، تقدير المسؤولية، وفي النهاية، وضوح النموذج المجتمعي الذي نريد. إن الكثير من القضايا التي تستهلك النقاش في مدونة الأسرة، ليست إلا نتائج لوضعيات ومسلكيات، غير سليمة، جوابها يوجد في أماكن أخرى، غير البنود والقوانين والمساطر، فمالحديث عن زواج القاصرات، وعن تعدد الزوجات، وتقسيم الإرث، والحضانة، إلا نتائج لأنماط معينة من الوعي، لم ينجح المجتمع في معالجتها، ما يؤكد حاجة نقاش المدونة إلى دراسات نفسية واجتماعية. إنه، لا يمكن إنجاز مقاربة جادة لقضايا الأسرة المغربية، دون الإلمام بالقضايا الموازية التي تعيشها هذه الأسرة وتؤرقها، ودون إيجاد الحلول الناجعة لمجموع الإشكالات التي تعانيها، والتي تجعلها رهينة مسلكيات وتصرفات غير لائقة، فالرجل السوي في النهاية، لا يمكن أن يفكر في إذاية المرأة، ولا يمكن أن يقترن بفتاة قاصر في عمر أصغر بناته، كما المرأة السوية، لا يمكن أن تفكر في إذاية الرجل، وإذلاله والتنكيل به، والأسرة السوية ستجد دائما متسعا للتفاهم والإتفاق، مهما بلغ بها الخلاف، ما دامت تمتلك منسوبا معقولا من التعقل والتخلق، وحسن التدبيروالإختيار، وتتمتع بالضروري من شروط الحياة الكريمة ؛ حينئذ ستنتفي كل النقاشات الهامشية والتي لا معنى لها، وستأخذ مدونة الأسرة مكانها الذي يليق بها حقا، بما هي طريق إلى مجتمع المواطنة والكرامة، وليس العكس.