الفايد شخصية ديماغوجية خطيرة، فهو مع ما يتميز به من صلافة الوجه وجنون العظمة إلا أن له قدرة غير عادية على تحمل الظروف المشحونة والمثيرة للقلق والضغط النفسي، ويمارس ألوانا من الحيل الفكرية التي يبلورها سيميائيا بطريقة مثيرة للسيطرة على أنواع مختلفة من الجمهور الذي يتابعه. يقول الفيلسوف اليوناني يوربيديس (406 ق.م): "الديماغوجي هو الشخص القادر على التَّكيُّف مع أكثر الظروف إثارة للقلق، وعلى الظهور بأكثر من وجهٍ تبعاً للفئات الاجتماعية وأصناف البشر في المدينة، وعلى اختراع آلاف الحيل التي ستجعل عمله فعَّالاً في أكثر الظروف تنوّعاً". فالفايد يستقطب جماهير متنوعة بتضمين خطابه ما يدغدغ مشاعر كل نوع من الجماهير وكسب تعاطفه، ويستحوذ عليه حتى يعتقد أن هذا الشخص يمثله ويحمل فكرته، فهو اليوم يجمع حوله الملاحدة بما يضمنه في خطابه من تشغيب حول آيات القرآن وإنكار للمسلمات، وتمجيد للعلوم الطبيعية على حساب العلوم الشرعية وهذه الجزئية الأخيرة جلب بها كثيرا من الطلبة وأصحاب الميول العلمية، بل وصل به الحال إلى الثناء على بعض غلمان الإلحاد، ومظاهرته على حساب داعية مسلم، ويخطب ود المتمزغة بما ينثره من تمجيد للأمازيغ وتاريخهم، بل وتكرار الانتساب إليهم، في مقابل التعريض بالعرب ولمزهم، والطعن في الفتوحات الإسلامية بشكل مبطن واعتبارها غصب واحتلال بطريق اللازم والمقتضي، ويخطب في كثير من المناسبات ود المنسلخين من الشهوانيين الذين يأنفون من الانقياد للأحكام الشرعية ويريدون شرعنة الموبقات حتى بلغ به الحال مغازلة الشواذ جنسيا، ولم يرد خسارة جمهوره المحافظ فتجده يردد بأنه من المسلمين وأن مشكلته مع الكهنوت من المتطرفين والسلفيين وليس غيرهم، فيخدر بذلك المحافظين من جمهوره، ويستقطب من عندهم فوبيا السلفية. يقول فيليب بروتون: "الديماغوجي سوف يجعل الجمهور يعتقد، من خلال استراتيجيات مختلفة، أنه يفكر مثله، وإذا خاطب جماهير عديدة معينة، فإنَّه سيجعل كل جمهور من هذه الجماهير يعتقد أنه يفكر مثله". كما أن للبائد حيل ومناورات شيطانية لتحييد بعض الأطراف التي لا يمكن أن تتبعه في طرحه لكنه يريدها على الأقل ألا تهاجمه أو ترد عليه، فيضمن خطابه رسائل طمأنة لبعضها وبأنها غير مقصودة أبدا من هجماته وطعنه، كما يفعل مع العلماء الرسميين ومؤسسات الدولة المسؤولة عن الشأن الديني. ولا يفوتني في هذه النقطة أن أسجل أسفي الشديد وعتبي على هذه الجهات وهؤلاء العلماء لسكوتهم عن هذا الأفاك الذي لم يسلم من طعنه رمز من رموز الإسلام، فلم يسلم منه القرآن ولا السنة ولا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة والعلماء ورواة الحديث ولا الفقهاء والمفسرون، فهل هذه رموز المسلمين كافة أم هي رموز السلفيين لوحدهم حتى لا يتكلم إلا هم؟!، فلا تقعوا أنتم ضحايا ديماغوجيا الفايد فتنكصوا عن الرد عليه وإلجامه. والبائد يمدح بعض هذه الأطراف بل يحسسهم أنه ينوب عنهم في هجومه على العلماء والدعاة -من يسميهم بالكهنوت-، فيخلدون إلى الأرض ويتغافلون عن طوامه، وحتى من ضاق ذرعا بطعن الفايد في المسلمات الشرعية ورد عليه فإن الفايد يرد عليه بلين وتحفظ كامل فيحتويه ويحيده فلا يرجع إلى الرد عليه أبدا، بل بعضهم لما رأى البائد يصب جام سخطه وقذعه وبذاءته على الفصيل الذي جعله شماعة للطعن في دين الله والإلحاد في آياته والذي راكم كما هائلا من المقاطع في شيطنته بألوان من الكذب والمغالطات، لم تقو نفسه للمواجهة مخافة أن يناله ما نال ذلك الفصيل. إن الفايد مع كل هذه الأدوات الديماغوجية التي يعتمدها استطاع أن يجعل له قطيعا من الجمهور يتابعه بل ويتبعه، دون النظر إلى تناقضاته أو كذبه ومغالطاته؛ مع أن البصير العاقل يجد في كلامه كما هائلا من المغالطات والكذب والتناقضات والأدلة الكثيرة لإدانة الرجل وسقوطه. لكن كما قال فيليب بروتون: "تعبئة المشاعر تهدف إلى تكييف الجمهور بطريقة تجعله يقبل الرسالة من دون مناقشة، ويكمن التضليل في شلِّ القدرة على المحاكمة ليتقبل ذهن المتلقي محتوى لم يكن ليوافق عليه بطريقة أخرى، وتتمثل الآلية المستخدمة في خلق وهمٍ بأن مرسل الرسالة موجود في الرسالة أو يتم تمثيله فيها". أنا أدعو كل مسلم عاقل لا زال يتعاطف مع هذا البائد أن يتحرر من ديماغوجيته واستحواذه، وليحاكمه ببصيرة إلى مقتضيات العقل السليم والنقل الصحيح. وأبشر القارئ أن الفايد ورقة محروقة ولا أستبعد إعلان انسلاخه من الإسلام بكل صراحة، كما فعل من سبقه في مسلكه، وقد سمعت منه إشارة قبل يومين تنبئ بأن الأمر وشيك. لكني مع ذلك أشير أن آثار حملة هذا البائد يستغلها من كان يؤزه ويمده في غيه من التنويريين وغيرهم من أمثال عصيد ورفيقي وبعض غلمان الإلحاد، فالرجل رفع سقف طموح أعداء شرع الله، وخفف قداسة الوحي والمسلمات الإسلامية في نفوس كثير من الناس، وضرب مرجعيتهم، وهؤلاء المتربصون يستغلون كل هذا في حملاتهم وخطابهم الذي يختلف عن طريقة البائد فتظهر فيه اللباقة وأدبيات هي أكثر دهاء حتى لا يحترقوا بدورهم. نسأل الله أن يكف شرهم جميعا عن الإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.