يكون لبعض أصحاب الأموال ممن تجب عليهم الزكاة ديون على أناس إما معسرين لا يستطيعون سداد الدَّيْن الذي عليهم، أو مماطلين في أدائه، فيعمد أصحاب الأموال عند حلول موسم الزكاة إلى خصم تلك الديون من المبلغ الذي وجب عليهم إخراجه، وهذا الفعل منهم لا يجوز، والدَّيْن الذي تم خصمه وحسابه يبقى في ذمة المزكي ولا يجزئه عن أداء ما أوجبه الله عليه؛ لأنه بذلك التصرف كان كالمحتال الذي يقصد التهرب من الزكاة ليحمي ماله، قال سفيان بن عيينة عن شروط إجزاء الزكاة: "كانوا يقولون: لا يحابي بها قريبا، ولا يدفع بها مذمة، ولا يقي بها ماله". وقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة في مجموع الفتاوى، وفصل الجواب فيها، وقال رحمه الله: "وأما إسقاط الدين عن المعسر فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع، لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة، فهل يجوز أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك الدين ويكون ذلك زكاة ذلك الدين؟ فهذا فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره. أظهرهما الجواز؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك، بخلاف ما إذا كان ماله عينا وأخرج دَيْنا؛ فإن الذي أخرجه دون الذي يملكه، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب وهذا لا يجوز. كما قال تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية. ولهذا كان على المزكي أن يخرج من جنس ماله لا يخرج أدنى منه..". انتهى قلت: صورة الحالة التي نقل فيها ابن تيمية الخلاف هي أن يكون للمزكي دين على شخص قدره مثلا 10000 درهم، وواجب الزكاة في هذا القدر من المال هو مبلغ 250 درهم؛ أي ربع العشر، فيقوم المزكي بخصم مبلغ 250 درهم من الدين الذي على ذلك الشخص ليصبح مدينا له ب9750 درهم فقط. وفي هذه الحالة يكون المزكي قد زكى من جنس ما يملك، ولم يقصد ويتمم الخبيث من ماله، ولهذا رجح ابن تيمية رحمه الله القول بالجواز.