"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه": النبي محمد عليه الصلاة والسلام لا نسعى إلى الدخول في نقاش الآراء والمقترحات ذات الصلة بالجمعيات والمنظمات الدولية والوطنية حول إعادة النظرة في نظام الإرث الإسلامي، أو قراءته من زاوية بديلة "حداثية"، قصد البحث عن "الحلقة المفقودة" المتمثلة في إحقاق الحق، وبلورة المساواة الكاملة في هذا المنحى، بين الجنسين كما هو متعارف عليه في قوانين عديد الدول الغربية الراهنة، بقدر ما أننا نود أن نشير بعجالة إلى واقع اجتماعي موغل في الضعف والهزال والانهيار الخلقي. لقد أصبحنا نشاهد ونتابع بألم وحسرة، حوادث ووقائع بالغة الخطورة على رباط الإخوة، وأصبحت ردهات المحاكم تعج بملفات تخص الصراع المذموم بين هؤلاء "الأشقاء"، حول تركة الأب أو الأم، بعيدا عن أخلاقيات التربية الدينية الرفيعة والسليمة. لست خبيرة في المجال ولا مطلعة كل الاطلاع على مبادئ الإرث في الإسلام، لكنني أنطلق من يقيني الجازم بأن الدين الإسلامي، جاء ليخرج الناس من ظلمات الحيف والفساد إلى نور العدل والإصلاح، وفي الأثناء فإن أسس الإرث في هذا الدين القويم، لن تخرج عن غايته السامية: إسعاد البشرية جمعاء والإخوة في الدم على وجه الخصوص، في كل مناحي الحياة الدنيوية. وبقراءتنا آيات الذكر الحكيم، نجد أنفسنا أمام كم مدهش من النصوص/الآيات المفصلة بدقة استثنائية لقواعد الإرث، وليست الآية الكريمة "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين.." إلا لفظة في سياق تركيبي ممتد منسجم ومتناغم! لكننا وعلى الرغم من هذا الوضوح في بسط الحقوق والأنصاب، إلا أن بعض "الرجال" في غالب الأحيان لا يرضون بما قسمه لهم الله جلت قدرته، بل يسعون سعيا – طمعا منهم – إلى أن يستولوا على نصيب أشقائهم دون وجه حق! مما يعني من جملة ما يعني، أن الإشكال ليس في النصوص القرآنية المقدسة، وإنما في المنتسبين إلى الدين شكلا وليس مضمونا. الأخوة الحقيقية رباط روحي متين يؤلف بين قلوب الأشقاء رجالا ونساء صغارا وكبارا، رباط يقوم على قواعد المحبة والوئام والتضحية والتضامن، الأخوة الصادقة تنأى بنفسها عن النزعات المادية والمصالح الضيقة، وتميل نحو الخير بدل الشر والبناء بدل الهدم. الأخوة الغائبة التي دعا إليها ديننا العظيم، هي أن نحب للآخر ما نحبه لأنفسنا، الأخوة احتضان وانسجام وصفاء، وإخلاص وتواصل ووفاء. ومن هذا المنطلق يمكن بسهولة وانسياب، أن يتعاطى الأشقاء مع موضوع الإرث، بقدر من الشفافية والتناصر والوضوح، انسجاما مع روح إسلامنا العظيم ومقاصده الجليلة ومراميه النبيلة، ويقدموا صورة ناصعة البياض لعلاقة الدم والدين، و نموذجا إنسانيا بالغ الرقي والالتحام!