العادي جدا، والمنطقي جدا، هو أن تقوم قناة الجزيرة الإخبارية، بكل ما تملكه من زخم وإشعاع، ومع كل الإختلاف أوالإتفاق معها، بتصحيح هذا الخطإ الذي ارتكبته، في حق نفسها وخطها التحريري، الذي لا يخلو من تميز واجتهاد، وكذا في حق الصحافي المغربي عبد الصمد ناصر، حين قامت بفصله عن عمله، بلا مبرر قانوني ولا أخلاقي، وبعد ما راكم تجربة إعلامية بقناة الجزيرة، تربو على الستة والعشرين سنة، والسبب ببساطة، هو انتصاره لروحه الوطنية، ورفضه لكلام، مفعم بالهمجية والهنجعية، يغرف من مستنقع الأحقاد والكراهيات ضد بلاده، ومؤسساتها ومواطنيها ؛ والأمر ببساطة يتعلق بتغريدة، عبر من خلالها الصحفي، أو المواطن المغربي على الأصح، عبد الصمد ناصرعن عدم قبوله، لما جاء فيما سمي بتقرير التلفزيون الجزائري، حول المغرب، حيث تم وصف بلادنا، بمملكة الشر والرذيلة، ودولة المخدرات، والسياحة الجنسية، والرشوة، وما إليها من أوصاف تدين أصحابها، قبل غيرهم، وتصدر عن مستوى مؤسف من السفالة والضحالة، يقول عبد الصمد ناصر، في رده : (هذا نموذج صارخ لفجور إعلام نظام الجزائر الرسمي ؛ التلفزيون الجزائري الرسمي يهاجم المغرب بسفالة، ويتهم الدولة المغربية بكل نذالة… أي فجور غير مسبوق هذا، وأي وضاعة هذه…)، وحين طلب من الصحفي المواطن عبد الصمد ناصر، أن يقوم بسحب هذه التغريدة فرفض، قام مدير الأخبار، ثم المدير العام للقناة، بفصله عن عمله. نستطيع أن نفهم ونتفهم، أن قناة الجزيرة بما هي قناة إعلامية، كغيرها من القنوات التي يهمها أن تكون رائدة، هي محط رهانات وصراعات وتحالفات وتقاطعات، جهات ومصالح مختلفة ومتنوعة ؛ وهو أمر عادي، حين يبقى في حدوده التي لا تطغى على الصورة التي ترسمها، أو تريد أن ترسمها هذه القناة، وتحافظ لها على مستوى معتبرمن التعقل والتوازن ؛ ولكن الذي يصعب تقبله هو، بروز هيمنة تيار معين، بشكل فجائي، وسطوته على مجمل التراكمات التي تريد الجزيرة أن تقنع بها المتابعات والمتابعين باستمرار، وتعبير هذا التيار، بشكل مباشر ومستفز وبلا منطق ولا أخلاق ولا مقدمات، على كراهيته لبلادنا، ما يعني أن الأمر هاهنا، يتجاوز قناة الجزيرة، وأن المتدخلين في أمر تغريدة الصحفي عبد الصمد ناصر، لهم رهانات أكبر، ووظفوا القناة القطرية لخدمة هذه الرهانات ؛ هل الأمر يتعلق بمتدخلين جدد، يخدمون مشاريعهم، العدوانية ضد بلادنا، وعبر الجزيرة ؟؟، يسهل أن نتذكر هنا حكام الجزائر، ثم فرنسا الآن، أوهل الأمر يتعلق بخطإ مهني، يطلب تصحيحه، وينتهي الأمر ؟؟ كيفما كان الحال، يبدو أن قناة الجزيرة مطالبة، بتصحيح هذا الغلط الكبير، إن سياسيا أو مهنيا، بما هي قناة إعلامية، تريد أن تكون لها الريادة، على الأقل بالنسبة، للناطقين بالعربية، وأيضا بالنسبة لدولة قطر، التي تجمعها بالمغرب علاقات أكثر من عادية ؛ أما بالنسبة لبلادنا وعلاقتها بالتقرير المؤسف للقناة الجزائرية، وأيضا لبعض القنوات الفرنسية اليوم ؛ فلنا أن نقولها بكل الوضوح والصراحة ؛ فنحن لسنا جنة للديمقراطية، ولحقوق الإنسان، ولكننا لسنا كما قالوا ويقولون، أوكما أرادوا، ويريدون لنا، على الأصح، ولا مجال للتكرار ؛ فلدينا دولة ومؤسسات، تقوم ببعض أدوارها، ونريدها أن تقوم بكل أدوارها، ولدينا حكومة منتخبة، يقوم بعض أفرادها، ببعض أدوارهم، ونريدهم جميعا، أن يقوموا كحكومة، بكل أدوارهم، وأن يحاسبوا حين تفريطهم وتخاذلهم، ولدينا مشاكلنا الإجتماعية الكبيرة والصغيرة، تقوم العناصر والجهات الحية، في مجتمعنا بالتنبيه إليها، والدعوة إلى تصحيحها، ويقترح العديد من مثقفينا، وأصحاب الرأي والكياسة عندنا، بدائل محترمة لتجاوزها ؛ وعموما بلادنا تدبر أمورها، بشكل لا يرضينا، ولكنه بعيد عن هذا التعميم الذي يصنعه هؤلاء الذين يكرهوننا، ولا تهمهم مصالحنا ؛ ويبقى على بلادنا في الأخير، أن تفكر جيدا وجديا في المسألة الإعلامية، وفي أهمية وضرورة إنشاء قنوات جديدة وجادة، متعددة ومختلفة، عمومية وخصوصية، موجهة إلى العالم، للتعريف ببلادنا، وللدفاع عن قضاياها الرئيسة.