إننا لن نحقق نهضتنا الذاتية وتحقيق فكر مستنير يعتمد قيم الإسلام مالم نصل لفهم جوهر وعمق هذه القيم ومقاصدها الكلية.. وربما ينبئنا الحال بكثير من العثرات والثغرات في مظاهر الفكر والدعوة المعاصرة التي لا تتطابق مع حقيقة الإسلام وقيمه ومقاصده. ما دمنا مصرين على أن الإصلاح أو النهضة او التجديد -سمها ما شئت -تكون بشعارات أومظاهر نكسوها لما نراه من مظاهر الحداثة فنحن مخطؤون. إن الاقتصاد لن يصبح إسلاميا إن حاولنا وضع لمسات دينية ظاهرية عليه، وتركنا علاج أصله الكامن في الطمع والبحث عن الربح المنقطع عن الأخلاق كمنطلق لهذا الاقتصاد. والإعلام لن يصبح إسلاميا بمجرد خروج امرأة محجبة في التلفاز وتجاهلنا أن ثمة مؤسسات إعلانية غير أخلاقية تنتظر اللحظة لنتقض علينا وتغرينا بحياة قائمة على جوع غير مبرر للاستهلاك. والمجتمع لن يكون إسلاميا إن فتحنا كليات للشريعة أو مدارس للفقه والحديث، ما دامت المقاربات تعتمد الظواهر وتغفل الروح والأخلاق وتنمية العقل وفهم العصر ومعالجته بالحكمة والموعظة وبقينا على مقاربات منتمية لجماعةت شتى يكفر بعضها البعض. والقرآن سيبقى مهجورا ولو خرجنا يوميا عشرات الحفاظ مالم نعش قيمه في حياتنا ونتدبره آية آية، في نظم كلي وجزئي يبين لنا أسراره وإعجازه كل ما سبق من المنجزات الظاهرية أقرب للخداع لإقناعنا باننا أنجزنا المهمة وان علينا الاستمرار بالنوم الثقيل… معظم ما يطلق عليه اسم البنوك الإسلامية تنهب من جيوب الناس كما تنهب البنوك الربوية وتتحايل على قيم الاسلام نفسه لتحقق الربح الفاحش.. ومن ثم تقول عملنا حلال وعملهم حرام – مع التاكيد على حرمة الربا حرمة قاطعة. ومدارسنا الشرعية ترى في علوم الطبيعة والعلوم البشرية فسقا وشبه زندقة، وتزرع في طلبتها حب البعد عنها وهذا فيه عين البعد عن الاسلام. وكليات الشريعة تجعل من عقول الطلبة أحادية النظر وتغفل عن إنشاء أداوت نقدية، فبعض أساتذتها يقصون علينا قصصهم البطولية وبعضهم يتقمص شخصية الواعظ وبعضهم شخصية أخرى أما العلم الحقيقي المتمثل في القراءة والفهم فعليه السلام. وبرامج التلفاز الدعوية محكومة بلعبة الجوع الاستهلاكي فهي ممولة من شركات تنتظر تسمر العيون على إعلاناتها وهلم جرا . وحفاظ القرآن لا يكادون يقدمون شيئا في إنشاء منهجية او حفظ عقول الشباب من الإلحاد أو الشك الخفي في عالم أصبح العاقل حيرانا. ودروسنا الدينية باتت عقيمة لأنها أصبحت نموذجا عن تكرار عن بعضها عداك عن ان بعضها أصبح ظاهرة صوتية لجماعات معينة. الحل يكمن في مراجعة لكل ما سبق وتطوير مناهج لإنشاء عقول مسلمة حقيقية لا تحاول " أسلمة" المعرفة ولا تحاول "أسلمة" السوق – الحداثي ولا تحاول سرقة عقول الناس بأشرطة تسجيل أكل عليها الزمن وشرب.