النَّجاشي رفض الرَّشوة وردَّها إليهم وقال مُستعملاً القياس:" رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لي بهَا، فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ"(سيرة ابن هشام:1/338.). وهذا هو صَنيع أهلِ الحق، لايقبضون رشوةً على أعمالِهم التي كلِّفوا بإنجازهَا، ولايقبضونَ رَشوةً أو يُعطونها لقلبِ المَوازينِ والقوانينِ وإبطالِ حقٍّ، أو إحقاقِ باطلٍ، أو ظلمِ أحدٍ. كما فَعل بَطَارقتَه الذين قبضُوا رَشوة وإن غلِّفت في صُورة هَديَّة أو غيرهَا من الأسماءِ ك:(الحلاوة)، فلا يُغيِّر من حقيقتها شَيئاً. فقالوا:" صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ". قال صلى الله عليه وسلم:" لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ"(رواه أحمد في المسند برقم: 9031. وصححه شعيب الأرنؤوط.). واللَّعن هو الطَّرد والإبعادُ من رحمةِ الله. الرَّاشي: هو الذي يُرشي المَسؤولين والعمَّال والوجَهاء ليحصُل على حقٍ ليس لَه، أويَصرفُ حقاً عن صَاحبِه، فمن دفعَ رَشوة لمَسؤولٍ، أو لِعاملٍ، أو لِوالي أمرٍ من وُلاة المُسلمين، فهو مَلعونٌ، ومثالُه في قصَّتنا؛ مافعَلته قريش فهم الرُّشَاة، وعبد الله بنُ ربيعة وعمرو بن العاص، وسطَاء، وقد ورد في بعض الروايات – رغم ضُعفِها – لعنُ الرَّائِش وهو الواسطةُ في الرشوة فعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ»،( رواه الحاكم في المستدرك برقم: 2101. قال الألباني:" ذكر ليث في هذا الحديث زيادة لم يروها غيره وهي " الرائش "كما ذكر البزار، فهي زيادة منكرة لتفرد ليث بها، وهو ضعيف لاختلاطه." انظر؛ السلسة الضعيفة:3/381)، لكن يبدو أن معنى الزيادة صحيح لثبوت نفس العلَّة في الرائش وهي التعاون على الإثم والعدوان في إلحاق الضرر بالغير. والله أعلم. – لكن عبد الله بنُ ربيعة وعمرو بن العاص نَجَا من اللَّعن بِسببِ إسلامِهما والإسلامُ يَجُبُّ(يمحُو) ماقَبلَه – ومَن قَبِلَها فهو مَلعُونٌ وهو المُرتشي، ومِثاله في قصَّتِنا؛ بطارقَة النَّجاشي. فالواجِبُ إخواني التَّوبةُ من الرَّشوة وعدم الإضرارِ بأحَد، وكفَّارتُها أن يتُوب المُرتشي إلى الله سُبحَانه وتعالى، وأن يأخذَ هذا المَال ليُنفقَه في إحدَى الوجُوه، ولا يدخِله عَليه ولا علَى أبنَائِه فيُؤْكِلَهُم السَّحت وَالحَرام، ثم لا يعودُ مرة ثانية إليها، وقد قال تعالى:" إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً" [الفرقان:70 – 71]. فاللَّهم احفظنا بالإسلام قَائِمين، واحفظنَا بالإسلامِ قَاعِدين ولاتشمِّت بنَا عَدوَّا ولاحَاسِداً. آمين.