"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" أحمد شوقي إذا كان الغرب يرزح تحت وطأة التفكك وتعصف بأفراده مشاكل نفسية لا نهاية لها، وإذا كانت الصين تقف حازمة أمام انتشار أفكار الحداثيين والليبراليين، مدركة خطرها ومصير من يسير على خطاها، فإن العالم الإسلام يبدو أنه فتح صدره لهذه الأفكار، وبات يعتنقها أكثر من الغربيين أنفسهم، أو كما يقول المغاربة "شدوها من الزنيط" ما معناه أنهم تمادوا في الترويج لهذه الأفكار المنحلة حتى لم نعد نميز بينها وبين بقية الأفكار، وأمست أفكار الانحلال الأخلاقي هي الأصل ودونها نشاز! يعرض التلفزيون العربي مسلسلات لا حصر لها وإذ يظهر لي أن المغاربة والمسلمين عامة مكتوب عليهم أن يعيش هذه الأيام تحت رحمة الليبراليين والعلمانيين؛ فحيث ما وليت وجهك تجد إنتاجات من هذا القبيل. أحد المسلسل يحكي قصة زواج فتاة فقيرة أمها تعمل كراقصة (شيخة) برجل غني، وفي إطار الأحداث تدخل الفتاة في علاقة حب مع ابن أخ الزوج، وتتشابك الأحداث، وربما ينتهي المسلسل بزواج الزوج من أم الفتاة وزواج الفتاة لا من ابن أخ الزوج بل من ابنته!، ومن يعلم فلا يتوقع مع هؤلاء سيناريو، وحتى وإن لم يحدث هذا الأمر في هذا المسلسل ولا حدث بعده لكنه ودون أدنى شك وأدرك ما أقوله سيحدث في مسلسل يعرض بعد عشر سنين أو أقل. يسعى المحميون (نسبة إلى الحماية القنصلية) في العالم الإسلام مؤازرين بمؤسسات أجنبية كمؤسسة "راند" بكل رباطة جأش إلى قلب مفاهيم المسلمين، وتغيير نظرتهم حول مجموعة من المواضيع تتعلق بالزواج والعلاقات المحرمة بين الذكور والإناث وحتى العلاقات بين الأقارب، ففي مصر مثلا عرض في هذا رمضان السابق مسلسل "فاتن أمل حرب" لكاتبه أبراهيم عيسى الذي ما فتئ يجد مدخلا لضرب الدين إلا ودخله. ولا يخفى على الناس أن يعمل تحت إمرة قناة الحرة الأمريكية وقد سبق وأشار الصحفي "حافظ الميرازي" إلى تلقي إبراهيم عيسى وغيره من الكتاب مكافأة مالية سخية مقابل كل مقال يضرب في ثوابت الدين الإسلامي، والمتابع للرجل يدرك إصراره العجيب على هذا ولكنه ما إن يعرف أن الرجل يقبض مقابل كل جملة فيزول عجبه. لا يستحي هؤلاء من عرض تفاهتهم على شعوب مسلمة في شهر رمضان الفضيل بل إنهم يتسابقون سباق البعير على شاشات التلفزيون لنشر قاذوراتهم بين الناس، وهدفهم واضح "تغيير المجتمعات". في هذا الإطار تسعى الدول الغربية لنشر الانحلال والرذيلة تحت مسميات عديدة على رأسها الحداثة والتقدم والتنمية والانفتاح وهلم جرا. حتى إذا انحل المجتمع تقبل كل نفايات الغرب المادية والمعنوية، وما دام المجتمع غير متقبل فسيظل في نظر الغرب وفي نظر الليبراليين عدواً. – الكل مع الشيخ وقع الإعلام الرمضاني في تسلل واضح، حتى دون الرجوع للفار، فالملاحظ في الانتاجات الرمضانية المغربية وغيرها لهذا العام تركيزها بشكل كلي على موضوعات المرأة، وكأن القائمين على القنوات تلقوا التدريب على يد رجل واحد، فقضية المرأة القوية والمستقلة تتكرر في كل الإنتاجات، وحتى الإعلانات ترمي أفكار نسوية من قبيل قيام الرجل بأعمال المنزل، وقدرة المرأة الخارقة على منافسة الرجل بل والتفوق عليه حتى، وأتذكر مشهدا في مسلسل يعرض هذا العام، ويصور فتاة تعمل داخل مقهى أبيها عند الحاجة؛ فتقوم مقام أبيها في تحضير القهوة والشاي، والأهم أنها حسب السيناريو تتفوق على الرجال في ذلك، وهذا التفوق تصر عليه النسوية كثيرا، كما أن أغلب شخصيات الرجل في هذه الأعمال، لا تمثل الرجل المغربي بتاتا. أرى أن هذا الأمر هو نتاج توقيع المغرب لاتفاقية سيداو وكذلك امتثال لتوصيات البنك الدولي، فكلاهما يؤكد على الرفع من مشاركة المرأة بل وتمكينها اجتماعيا، ونحن لسنا ضد المرأة، وهذا لا يجادل فيه إلا جاهل، فالمرأة المغربية قبل أن يطل علينا هؤلاء بقوانينهم الغربية، جزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة، وقد أسهمت جنبا إلى جنب مع الرجل، حسب فطرتها وقدراتها، بل تجاوزتها في أحيان كثيرة خاصة مع الاحتلال الأجنبي، فوجدناها مع زوجها وابنها وأخيها في ساحات الوغى، تدافع عن وطنها، وتفدي نفسها دينها. إنها هؤلاء لا يردون هذه المرأة المغربية الأصيلة، بل يريدونها سلعة تباع وتشترى وتعرض أمام السيارات أو على زجاج الحوانيت كما هو الحال في عاصمة هولنداأمستردام، فلو كانوا يبغون لها الخير، ما أخرجوها من بيتها في غير حياء، ولا رموا بها في معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل. وفي هذا السياق، يعرض الآن للموسم الثاني مسلسل دار حوله نقاش حاد قبل سنة، بعد أن علق الأستاذ "ياسين العمري" وهو أستاذ جامعي وداعية إسلامي؛ على المسلسل وتحدث عن كونه دعوة صريحة للتطبيع مع الفساد. فقامت قيامة البعض ولم تقعد، وخرج البعض لينتقدوا الأستاذ والشيخ، وأمعنوا في محاولة الانتقاص -وأنى لهم ذلك طبعا-، ولو كان لهم من سلطان لفعلوا ما هو أشد ولكن ولله الحمد هناك سلطة تقمع أحلامهم. لقد بدى الشارع المغربي وكأنه منقسم بين معارض للمسلسل ولما يعرض من انحلال وبين مؤيد له، ولكن الحقيقة لا تستمد من المنشورات بل من دراسة واقع وتاريخ المجتمع المغربي. فحتى لو خرج رهط يدافعون عن المسلسل ويسبون الأستاذ ياسين فلا يقدرون في ميزان الناس بمنخل، ومعظم المغاربة وإن شاهدوه جهلا وتفاهة، فإنهم يدون استثناء يرفضون الانحلال والتفسخ ويعارضون كل ما يمس مبادئهم التي تربوا عليها، وكل من يحاول التطاول على دينهم يعدونه عدوا، فقد حمى المغاربة هذا الدين لقرون طوال، ورفضوا التخلي عنه رغم سنوات الاحتلال؛ فكيف يتوقع البعض أن يغير المغاربة آراءهم اليوم. ردة فعل عادية للغاية على المسلسل المغربي تمثيلا التركي قالباً، ولكن الكثيرين لا يدركون أن المسلسلات التركية الماجنة لا تمثل كل الشعب التركي بل هي تمثل الأتراك البيض (العلمانيين) وهؤلاء في صراع مع الأتراك السود(المتدينين)، هذا الصراع يرخي بظلاله على الأعمال التلفزية، مما يعني أن ما يعرض لا يقبل لا في تركيا ولا في غيرها من طرف المسلمين، لكنه يلقى التجاوب لدى الليبراليين. إن الذين يؤذون الأستاذ ياسين والشيوخ والعلماء بصفة عامة، والذين يؤيدون الانحلال والتفسخ هم على رؤوس الأصابع ومعظمهم لا يطالب بنشر الليبرالية وحسب بل ودوا لو انتزع الدين من صدور الناس انتزاعا حتى لا يبقى منه شيء. وما انتشر من "الشيخ والشيخة" لا يستقيم، وأنا متأكد أن الشيخات الحقيقيات لو وضعت هذه المقارنة لفرضنها رفضا باتا فهن يدركن قيمة الشيخ ويحترمن مكانته التي لا يضرب فيها إلا جاهل، وهن مدركات لسوء مهنتهن ويطلبن من الله أن يهديهن إلى طريق الحق، وليس كما يحاول البعض أن يسوق. ولنكن منصفين ليست المهنة أحيانا سوى مسألة اضطرار أكثر منه اختيار، ولو وجدت الشيخة ما أفضل فلا أعتقد أنها ستقرر البقاء في مهنة الشيخة، هذا ينطبق على شريحة واسعة منهن، ويمكن أن نجد من لن تغير مهنتها ولو عرض عليها ما هو أفضل ولكن كما قلنا هاته العينة قليلة مقارنة بالأخرى. ولهذا لا يمكن أن نتحدث عن انقسام للشارع المغربي بين شيخ وشيخة فالكل مع الشيخ وضد التطبيع مع مهن لا تحفظ كرامة المرأة وتجعلها وسيلة للتسلية واللهو وعرض للمفاتن، ومن يدعمون وجود الشيخة بمبررات واهية لا يعبرون إلا عن آراءهم التي تمثلهم ولا تمثل لا المجتمع المغربي ولا الثقافة الإسلامية ولا حتى المنطق الذي يميل لحماية النفس من التسليع، بل ولن تجد رجلا منهم يطلب هذا العمل لزوجته وابنته، ولكنه يريده للمسلمات ويدعمه. – نهاية لا بد منها إن الخطر في فكرة المسلسل في تقديم الشيخة كقدوة أولاً وفي العلاقات الغرامية التي يسوق لها، ويظهرها كأنها واقع معاش بل ويدافع عنها تحت بند الحب والغرام وما جوارهما من كلام، ويا ليت شعري أن هذا الحب حب، فالحب حسب هؤلاء هو كل ما يدعو للفسق والمنكر، لقد لامسوا القشر وتركوا اللب. فعلى المغاربة والمسلمين الحذر من الانجرار وراء دعاوى اللبيرالية والتفسخ والترفيه، وليدركوا أن ما يحاك لهم شديد ومحكم التنفيذ؛ ويقف وراءه أشخاص ومنظمات دولية لها أهداف بعيدة المدى، ولسنا بأقل عزيمة من الصين حتى لا نشبث بديننا الحنيف ومغربيتنا الأصيلة ونرفض التطبيع مع الأفكار الغريبة والشاذة وندرك أن هذه الأعمال ليست سوى البداية وليست حتى بذلك السوء الذي هو القادم، ولك أن تتذكر الأيام الخوالي، تلك الأيام التي تجتمع فيها العائلة أمام شاشة التلفاز دون خوف، واليوم لا يستطيع فردان الاجتماع على عمل تلفزي إلا وهم متوجسون مما يمكن أن يعرض. وكنصيحة صغيرة، يجب على الناس أن تؤخذ آراء دينية من أشخاص ليس بينهم وبين الدين سوى الإحسان، فكيف يتوقع أن تقف مغنية في صف الحق؟ ثم كيف يرضى الناس بأن تصبح المغنية التافهة مصدرا للمعرفة؟ وكيف بالذي يرجى منه الصلاح أن يمسي أصلا للفساد؟ ومن يصلح المجتمع إن فسد الإعلام؟ وإنهم ليحسدوننا على هذا البلد وعلى قيمه تدين أهله الفطري، ويردون لنا أن ندخل معتركات لا نهاية لها، تؤدي في النهاية إلى إضعافنا، فيسهل عليهم التهامنا، وهذا الذي لن يكون إن شاء الله.