اذا كان مسار التطبيع المغربي الرسمي مع الكيان الصهيوني قد انطلق في سنته الثالثة مع الشهور الأولى من 2023 .. و بعدما مرت موجته السابقة منتصف التسعينات و لم تعمر اكثر من 5 سنوات هجينة عرفت رفضا شعبيا كبيرا قبل إغلاق قوس مكتب الإتصال الاسرائيلي آنذاك و انكفاء العلاقة الى الظل والسرية مع بضعة خرجات هنا و هناك تلقى السخط الشعبي المتواصل .. فإن الموجة الثانية الجديدة بصيغة مكتب الإتصال مجددا (دون سفارة .. و اكثر من مجرد علاقات متقطعة) و برغم كل محاولات الضخ للمنشطات لمظاهر الزفة التطبيعية على اكثر من مستوى و مجال .. فإن الخلاصة العامة المسجلة هي طابع الارتباك و التصنع و اصطناع حفلات تطبيعية للبروباغندا و صناعة مزاج تطبيعي يسبح في بركة من البؤس السياسي و حالة اللاتوازن و التشنج العضلي برغم محاولات التجميل و اصطناع البهجة التطبيعية… ان حالة الارتباك والتشنج .. يمكن رصدها على مستويين او محورين: 1. الشق المرتبط بما سمي الاتفاق الثلاثي(أو الثنائي.الثنائي) بين المغرب و الكيان الصهيوني و امريكا يعاني من عدة اعطاب جوهرية جعلته معطلا على مستوى إنتاج مخرجاته السياسية التي طمع و طمح إليها و تم بها تبرير كل الزفة من قبل من اتخذوا قرار التطبيع المتسرع في آخر أيام إدارة دونالد ترامب بين تغريدته على التويتر في 10 دجنبر و 22 دجنبر 2020 تاريخ التوقيع المشؤوم… و هي المخرجات المرتبطة أساسا بملف مغربية الصحراء… والذي عوض أن يتم "حسمها " كما روج لذلك كل أصحاب التوجه البوريطي(نسبة الى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ) فقد أصبحت قضية الصحراء في مأزق الحرج الرسمي الكبير والذي عبرت عنه الدولة المغربية في خطاب ملكي حول ما قيل عن "الشركاء الجدد" للمغرب والذين ما يزالون لم يوضحوا حقيقة موقفهم من مغربية الصحراء.. و هو مفهوم الشركاء الجدد الذي أجمع المراقبون والفاعلون على انهما "إسرائيل وأمريكا".. و هو ما أكده ايضا مسؤول مغربي بارز في مقالات أصدرها و تحدث فيها عن "الارادة الأمريكية لتأبيد مشكل الصحراء" برغم كل الخطوات المغربية تجاه أمريكا خاصة فيما بعد الاتفاق الثلاثي… و هو المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك (المسؤول الدبلوماسي المرتبط ايضا بملف تحديد هوية الصحراويين امام بعثة الأممالمتحدة للصحراء)… فضلا عن تجميد ما يسمى قمة النقب الثانية التي كانت مزمع تنظيمها بمدينة الداخلة بالصحراء المغربية حسب كلام بوريطة..ثم تحفظت واشنطن عن مكان الانعقاد بالصحراء أمام صمت مطبق للخارجية المغربية (!!) مما يؤكد أزمة تنزيل شق الاتفاق الثلاثي المرتبط بافتتاح قنصلية أمريكية هناك إلى اليوم … و هذا يعني أن الأصل المؤسس للأجندة التطبيعية في موجتها الجديدة (بعد موجة 1995 خلال اتفاق أوسلو ) .. قد سقط في مستنقع التجميد على ساحة الصحراء… رغم كون هذه الأخيرة كانت هي شماعة تبرير و تمطيط التطبيع ليصبح نهجا يكتسي طابع "الوطنية شبه المقدسة"وغير القابلة للتحفظ أو الملاحظة .. بله الرفض والتصدي لها… 2. الشق الثاني في الاتفاق الثلاثي المرتبط بالعلاقة مع الكيان الصهيوني.. والذي تم إطلاقه بموازاة مع الشق الأول في زفة الإعلان الرسمي للتطبيع.. فقد عرف عملية ضخ كبيرة غير مسبوقة تجاوزت حتى سقوف و ضوابط و استحقاقات الاتفاق الثلاثي المرتبطة بفتح مكتب اتصال بالرباط و بتل أبيب.. الى ان صار الامر عبارة عن هرولة صهيوتطبيعية مستعرة من جهة الرباط .. و عملية اختراق صهيونية جد محمومة من جهة تل أبيب تجاه المغرب على مستويات كثيرة و متعددة ومتشابكة افقيا وعاموديا بالدولة في قطاعات الأمن و الاقتصاد والزراعة والثقافة و الدبلوماسية والتعليم و الإعلام و الأبحاث و السياحة والرياضة….. بما جعل من محطة إعلان التطبيع باسم تفاهمات حول قضية الصحراء مجرد زر تشغيل لسمفونية تطبيعية تجاوزت التطبيع إلى شبه توأمة و تحالف اندماجي مثير جدا .. لكنه متناقض .. متناقض باعتبار جمود الموقف الرسمي الصهيوني في ملف الصحراء و عدم إعلان تل أبيب للموقف الرسمي بالاعتراف السياسي/القانوني الملزم في المنتظر الدولي بمغربية الصحراء كما بشر بذلك و جيش له من قرروا التطبيع في الدولة المغربية… و هذا اصبح مثارا للابتزاز المباشر و غير المباشر للدولة من قبل الكيان الصهيوني و ادواته لتركيع الموقف المغربي في ملفات أخرى معني بها الكيان الصهيوني وعلى راسها: موقف المغرب من ملف القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية .. و من ضرورة ضبط موقع و موقف المغرب من قضية فلسطين والمقاومة و إعادة تشكيل هذه العلاقة بحسب المعطى التطبيعي الجديد بما لا يجعل من المغرب ساحة مساندة للكفاح الفلسطيني.. بل ساحة محايدة إن لم تكن محابية لإسرائيل كحليف إستراتيجي حيوي للمغرب في مواجهة الجزائر..(!!). بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الشق من صفقة التطبيع دخل في بؤرة أزمة حقيقية للعاصمة الرباط بعد صعود اليمين الصهيوتلمودي مع حكومة نتنياهوبنغفير_سموتريتش والاستهداف المحموم للقدس والمسجد الاقصى (خاصة مع رمضان) و تنزيل سياسات استيطانية وتهويدية جد خطيرة .. فضلا عن قتل ما يزيد عن 90 شهيدا فلسطينيا بالضفة و القدس في الثلاث أشهر و نصف من 2023.. والحرج الكبير للدولة المغربية التي تترأس لجنة القدس بما يجعلها في شبه حالة تنافي مع موقعها و مسؤولياتها تجاه شعبها و تجاه الأمة و فلسطين و ما يفرضه عليها واقع التطبيع المتسرع و مخرجاته التي صارت تطوق رقبة القرار الرسمي للدولة و يجعلها في مأزق مركب: بين عقم مخرجات سياسية ذات بال في محور التطبيع في ملف الصحراء .. مقابل حالة سيولة تطيعية طافحة يصعب على القرار العمومي المغربي فرملتها امام ماةقد يسببه ذلك من مزيد من إرباك المخرجات المنتظرة في قضية الصحراء .. و كان المشهد هو مشهد الرهينة بين التطبيع من طرف المغرب .. و اللاموقف من طرف "إسرائيل " مع استفادتها من هوامش و ثغرات تسلل كبيرة للنسيج المغربي الاقتصادي والتجاري كمنصة للمرور الى الغرب الافريقي .. بل الاتحاد الافريقي كما جرى مع حماسة بوريطة لتسويق عضوية الكيان الصهيوني بالاتحاد الافريقي كملاحظ… إنه التطبيع التائه والمأزوم و المدمر للسيادة والكرامة .. و الموشوم بالارتباك و حالة اللاتوازن وانعدام القدرة المغربية الرسمية على إدارة الدفة فرض "الندية" (مع تموقع المغرب الرسمي في خانة المهرول الراغب الطالب تحت ضغط ملف الصحراء وقضايا توترات مع الغرب الاوروبي و الأمريكي) .. مقابل اندفاع صهيوني فوقي بسرعة أحادية الجانب لربط المغرب بعجلة الكيان الصهيوني.. إلى أقصى الحدود بتعبير آزولاي: توحيد الهياكل !!️…