هوية بريس – نبيل غزال ضجة كبيرة أثارها تنظيم بطولة كأس العالم بقطر، لا من جهة التنظيم أو البنيات التحتية، فكل شيء كان محكما ومعدّا بعناية فائقة، وإنما من جهة بعض التدابير التي اتخذتها الدولة العربية المسلمة. حيث خلف قرار منع بيع الخمور في محيط الملاعب وحمل شارات الشذوذ الجنسي، سواء من جهة اللاعبين أو الجمهور، استياء عارما لدى عدد من الدول الأوربية والغربية عموما، ولم يقتصر هذه المرة دور الهجوم على قطر، بسبب تدابير اتخذتها مراعاة للمرجعية الدينية والثقافية، على أزلام العلمانية وأذنابها في المحيط العربي، وإنما انبرى للهجوم هذه المرة عتاة العلمانية وكبراؤها في العالم الغربي. فإعلاميون وسياسيون من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد والكيان الصهيوني.. شنوا حملات إعلامية مغرضة ضد قطر، متهمين إياها بالتضييق على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، مدعين في الوقت نفسه أن تظاهرة مثل تنظيم كأس العالم تفوقها حجما. وبعيدا عن أسلوب التهويل، فمن ناحية الإعداد والاستعداد؛ لا تعدو أن تكون التهم التي رميت بها قطر تنفيسا عن غيض، ذلك أن الدول المهاجمة لها يسيل لعابها لمداخيل مالية كبيرة كانت ستجنيها، إبّان أزمة اقتصادية عالمية خانقة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لو انتزع المونديال من قطر، ثم إن الدول الغاضبة بفعلها هذا تكون قد أزالت كل المساحيق عن وجهها الكالح، وأبانت للعالم أجمع أنها إقصائية وعنصرية بامتياز، لا تؤمن بالتعددية ولا تحترم ثقافة الآخر ودينه. فما كان لافتتاح المونديال بآيات من القرآن الكريم، ولا لملاعب صممت لتحترم صلاة المسلمين في أوقاتها، ولا لمنع الخمور بالقرب من الملاعب، ومنع إشهار الفعل الشنيع لقوم لوط، وفتح باب الدعوة للإسلام أمام دعاة بارزين من أمثال ذاكر نايك، أن يمرّ دون ردود فعل.. من أجل ذلك تابعنا جميعا صحفيا فرنسيا وهو يُسأل: هل الحياة جميلة في قطر؟ فيجيب مقهقها "يوجد كثير من المساجد"، وقيادية بحزب الوسط السويدي وعضو بالبرلمان الأوروبي تشن هجوما حادا ضد مونديال قطر ورئيس الفيفا، وتصفه ب"الوغد العجوز الطفولي الكاذب"، لأنه دافع عن قرار منع الخمور ولم يعترض على منع إشهار الشذوذ الجنسي بالملاعب.. وإعلامي مصري استشاط غضبا لا لشيء سوى لافتتاح المونديال بالقرآن! واعتبر دعوة الجماهير للإسلام جريمة! وعلماني من المغرب وجد فرصة انتصار السعودية على الأرجنتين مواتية لمهاجمة قطر بعد خسارتها، معلنا أنها لن تفوز أبدا بدعم الشيوخ و"الأخونة". يجب أن نستحضر جميعا أن الدولة العربية المنظِّمة للمونديال وقفت ضد الترويج للشذوذ الجنسي في أوج التطبيع معه عبر مختلف القنوات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والسينمائية والرياضية.. هذا يحسب لقطر بكل تأكيد، كما يحسب لها ولحكومتها تعظيم قدر الصلاة وفتح باب الدعوة إلى الله تعالى، والاعتزاز بالمرجعية الإسلامية، في زمن لم يعد أحد يستطيع البوح بذلك، أمام طغيان الغرب وسيطرة أفكاره وسلطة ثقافته. لكن يبقى المونديال هو المونديال، وكرة القدم هي كرة القدم، والتي خرجت من طور الترفيه إلى ترهّل مفهوم الانتماء وتحديد دوائر جديدة للانتماء والولاء. قد تكون الكرة عالما بديلا يحقق "اليوتوبيا" أو المدينة الفاضلة التي يحيّي فيها الخصمان بعضهما بعد النزال، ولكنها في النهاية لا تعبّر عن الواقع ولا تحلّ مشاكله أو تصنع المعجزات. فالفوز فيها مهم لكونه حالة من الفرح نتشاركها مع الآخرين، لكنه في النهاية جزء من وهم يبعث في نفسك العزاء، فهذه ليست حياتك الحقيقية، كما قال "بورخا جارسيا" الباحث بجامعة لوفبرا بإنجلترا.