تشهد الجزائر حالة من الركود في سوقي العقار والسيارات المستعملة للسنة الرابعة على التوالي، تأثرا بعدة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، أبرزها قانون الاستيراد وجائحة كورونا. فرغم تراجع أسعار العقارات في الولايات الكبرى مثل العاصمة وقسنطينة وعنابة، فإن حالة من عزوف المستثمرين في هذا القطاع هي المسيطرة على المشهد، في ظل عجز القدرة الشرائية لدى المواطنين. ويقدر المختصون تراجع عملية البيع للعقارات بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالسنوات الماضية، كما أكد عضو المكتب الوطني للوكالات العقارية رفيق بلغول أن عدم استقرار سوق العقار في الجزائر خلق نوعا من الخوف لدى المستثمرين. وقال بلغول لوكالة "سكاي نيوز": "رغم انخفاض الأسعار في بعض المناطق فهناك ركود في عملية البيع. شهدت الأسعار حالة من الهدوء النسبي عام 2019 بعد موجة الارتفاع الرهيب التي عاشها سوق العقار في الجزائر خلال العشر سنوات الأخيرة، لكن من دون تحسن في مستوى البيع والشراء". وبدأت ملامح سوق العقار تتغير بعد موجة الحراك الشعبي عام 2019، وما رافقها من حملة اعتقالات لرجال الأعمال، إذ استرجعت الدولة عددا كبيرا من العقارات التي كانت مملوكة من قبل كبار المستثمرين مما دفع بالأسعار للتراجع بنسبة 15 بالمئة للعقارات الصغيرة، و40 بالمئة للعقارات الكبيرة. وتؤكد رئيسة الفيدرالية الوطنية للوكالات العقارية معمري زهوة، على أن تراجع الأسعار لم يشجع عملية البيع والشراء في سوق العقار، وإنما صحابه توقف نشاط العديد من الوكالات العقارية عن العمل منذ العام الماضي. وبحسب، زهوة فإن سوق العقار "يمر بمرحلة انتقالية يصعب التنبؤ بمستقبلها، وذلك بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن الذي أصبح عاجزا حتى على الاستئجار". ومع تراجع القدرة الشرائية، تشهد أسعار مواد البناء وفي مقدمتها الحديد ارتفاعا كبيرا، كما لا تزال أسعار الأراضي، وهي التي تتحكم في سوق العقار بالدرجة الأولى، تشهد نوعا من الفوضى. وفي ظل هذا الوضع، اتخذت الجزائر قرارا مستعجلا لإعداد قانون خاص بإنشاء بنك للإسكان في أجل أقصاه شهر واحد، لتوحيد مهام الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط والصندوق الوطني للسكن لإطلاق بنك الإسكان. وأكد خبراء في الاقتصاد أن إنشاء بنك السكن يهدف أساسا إلى تنظيم سوق العقارات ومساعدة المواطنين، خاصة من الطبقة الوسطى، في الحصول على إعانات مالية تمكنهم من شراء أو بناء مسكن. وتعليقا على القانون، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عية لموقع "سكاي نيوز عربية": "سيدفع بنك الإسكان بالسوق إلى الاستقرار بعد أن شهد ارتفاعا في مستوى الأسعار لمدة 8 سنوات متتالية، ونتوقع أن يؤدي القانون إلى خفض أسعار العقارات في الجزائر وجعلها في متناول الجميع". كما تعيش سوق السيارات وضعا مماثلا، بعدما كانت الجزائر تعد أحد أهم أسواق السيارات الرئيسية في القارة الإفريقية من ناحية الاستيراد، حيث أحصت هيئة السيارات الوطنية عام 2019 استيراد أكثر من 6.5 مليون مركبة. وتوقف استيراد الجزائر للسيارات بشكل تدريجي منذ عام 2012، بعدما كانت تستورد ما يزيد على 450 ألف سيارة في العام. وأكد وزير المالية عبد الرحمن راوية أن ملف استيراد السيارات سيشهد انفراجا خلال الأيام المقبلة، وقال في جلسة رسمية بالبرلمان: "نعلم أن هناك نقصا في السوق، الحكومة على دراية به، أؤكد أن الوضع سيعرف حلولا جديدة قريبا، والحكومة بصدد إعداد نصوص قانونية جديدة تمهيدا لعودة استيراد وتصنيع السيارات". وأبدى تجار السيارات المستعملة والزبائن تفاؤلا عندما أعلنت السلطات عام 2020 عن السماح باستيراد المركبات المستعملة "التي يقل عمرها عن 3 سنوات"، التي كانت محظورة منذ عام 2005، لكن القانون لم يصدر رسميا منذ ذلك التاريخ. وأدى قرار الحكومة لوقف استيراد السيارات للحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبية في ارتفاع أسعار قطاع غيار السيارات التي بلغت قيمة استيرادها بحسب أرقام وزارة الصناعة حدود 4.3 مليار دولار في المتوسط سنويا. ومؤخرا أصدرت الحكومة تعليمات جديدة للتشديد على نشاط أكثر من 1200 مستورد، وقد اشتكى العاملون في مجال استيراد قطاع البناء وقطاع الصناعة والحرف وقطاع غيار السيارات من تلك الإجراءات التي أدت إلى توقف نشاطهم. ووفق المستورد الجزائري بكير أبو العلا عضو المكتب الوطني للجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، فإن وضعية مستوردي قطاع غيار السيارات الآن "لا تبشر بخير، فقد أدت الإجراءات الجديدة لتقليص عدد المستوردين من 45 ألف إلى 12 ألف فقط". ولفت أبو العلا في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "هناك ضبابية كبيرة في السوق الجزائرية. الاستثمار لا يمكن بناؤه في مناخ ضبابي، وهذه الوضعية هي التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار والمضاربة".