هوية بريس – السبت 20 فبراير 2016 استغرقت مفاوضات الحوار بين حكومة المرسومين، والتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين اربع جولات من الحوار، كلها باءت بالفشل، ولم يتم التوصل إلى نتيجة معينة. وإن السبب الذي أفضى إلى فشل أطوار الحوار، هو تعنت الحكومة، وتحديها وتشبتها بمقترحها الرامي إلى أن الفوج الحالي بعد تكوينه في مراكز التكوين، وحصوله على شهادة التأهيل التربوي، سيتم توظيفه بأكمله، على دفعتين شريطة اجتياز مباراة التوظيف! الأولى ستقام في شهر غشت سيتم خلالها توظيف 7.000 أستاذ، والدفعة الثانية والبالغ عددها 3.000 أستاذ سيتم توظيفها عبر مباراة في شهر يناير 2017. إن المقترح الحكومي المطروح للنقاش، هو حل مرفوض لأنه تنزيل فعلي للمرسومين، وفصل للتكوين عن التوظيف، ولو وافقنا عليه لقبلنا بالمرسومين ابتداء، دون الحاجة الى هذا العناء المضني في النضال، فكيف يستساغ أن نخوض اشواطا نضالية طويلة، ونستنفذ وقتا كثيرا من مقاطعة الدراسة بلغ اكثر من مئة يوم، ثم نرضخ لمقترح مشؤوم موصول بتهديد سلطوي حكومي لنا ان لم نقبل به؟ إن الانصياع لهذا المقترح اجهاز على المكاسب التي حققتها انتفاضتنا الكبيرة، وضياع للجهود التي بذلت، واهانة لقيمة الدماء التي سفكت. إن اساتذة الغد ضد التوظيف المباشر، ولا يطالبون به، لأنه قائم على ولوج اسلاك الوظيفة العمومية دون اجتياز اية مباراة، وانعدام الكفاءة المهنية. ولقد ولج الاساتذة المتدربون الى مراكز التكوين بعد انتقاء اولي بناء على أعلى النقط التي حصلوا عليها، واجتياز مباراة كتابية ثم بعدها مباراة شفوية، وبعد تكوينهم تنتظرهم مباراة التخرج لنيل شهادة التأهيل التربوي، ثم بعدها سيجتازون مباراة التوظيف الاقصائية والمصيرية. فكان منطقيا ان يطالبوا بتوظيف فوجهم دفعة واحدة، بعد اجتيازهم مباراة التخرج من المراكز، وليس مباراة التوظيف كما تقترح الحكومة. ولماذا لا يتم توظيفهم وهم أصحاب كفاءة، ونخبة متميزة على الصعيد الوطني تم انتقاؤهم وفق معايير قانونية مضبوطة؟ وان ما يثير الاستغراب حقيقة، أن تقوم الحكومة في سنة 2011 بتوظيف عدد من المعطلين، توظيفا مباشرا دون اجتيازهم لأية مباراة، ودون اخضاعهم لأي تكوين أو تأطير، وتمنحهم صفة أستاذ ممارس، وتتساهل معهم الى أقصى حد، وتخصص لهم أجرة شهرية كاملة. وكان من أثار ذك أن رسب منهم 160 أستاذا بعد إخفاقهم في مباراة الكفاءة التربوية، وعلى إثره أصدر وزير التربية الوطنية قرارا بطردهم، لكنه تراجع عنه مؤخرا. وبعد هذا كله، تتعنت الحكومة مع هذا الفوج المتفوق الذي ليس لها بديل غيره، والذي وصل إلى مراكز التكوين بعد انتقاء أولي وامتحان كتابي وشفوي، وأضحى ولوج هذه المراكز أمرا صعبا وعسيرا، وتأبى توظيفه بمباراة التخرج من المركز، وتشترط توظيفه بمباراة إقصائية مشبوهة. فعن أي تساهل يتحدث رئيس الحكومة قدمه لأساتذة الغد؟ أهناك تساهل أكبر من تساهله مع هؤلاء المعطلين الذين قام بتوظيفهم توظيفا مباشرا؟ إن عرض الحكومة المقترح يراه أساتذة الغد حلا ملغوما يكتنفه الغموض، يعيد قضية محضر 20 يوليوز 2011 إلى الواجهة، فقد أبرمت الحكومة السابقة مع معطلي 20 يوليوز تعاقدا يقضي بتوظيفهم جميعا، توظيفا مباشرا! وبعد تنصيب الحكومة الحالية تنكرت لالتزام الحكومة السابقة معهم، وبعد حكم المحكمة لصالح الحكومة، وماثلا ذلك من مفاوضات وحوار، قبلت توظيف الدفعة الأولى منهم، وامتنعت عن توظيف الدفعة الثانية. وإذا وافقنا على توظيف الدفعة الثانية في شهر يناير 2017، من الذي سيضمن لنا أن الحكومة المقبلة ستفي بوعد حكومة المرسومين مع الأساتذة المتدربين، ونحن على أعتاب نهاية ولاية حكومة أزمة المرسومين، وعلى أبواب استقبال حكومة مقبلة جديدة؟ فكما تنكرت الحكومة الحالية لالتزام الحكومة السابقة مع معطلي 20 يوليوز، يحتمل أن تضرب الحكومة المرتقبة بكل الالتزامات عرض الحائط. ألم تتنصل الحكومة الحالية من الاتفاقات التي أبرمتها الحكومة السابقة؟ ومنها: – اتفاق 19 أبريل 2011 مع الأساتذة المبرزين بخصوص نظامهم الأساسي. – واتفاق مع دكاترة التعليم المدرسي يقضي بتغيير إطارهم إلى أستاذ التعليم العالي عبر دفعات. – واتفاق 26 أبريل 2011 مع المركزيات النقابية…؟ أفبعد هدا كله، كيف يعقل أن تلزم حكومة أزمة المرسومين الحكومة المقبلة بتوظيف الدفعة الثانية، وتقدم ضمانات دولة على ذلك، وهي لم تلتزم بتنفيذ ما التزمت به الحكومة السابقة مع متعاقديها؟ لقد وعد أساتذة الغد المغاربة على اسقاط المرسومين، ولن يخونوا تعهدهم معهم، وهو مبدأ لن يتنازلوا عنه قيد أنملة، باعتبارهما خطرا على التعليم العمومي، والوظيفة العمومية، والأجيال القادمة. وقناعتهم الراسخة أن إسقاط المرسومين ليست مسؤولية أساتذة الغد فقط، بل هي مسؤولية مجتمع برمته، بكل أطيافه وشرائحه، ينبغي على الجميع أن ينخرط فيه، انخراطا جادا ومسؤولا. وإنه من العجب أن تجد من تخاذل عن مساندتهم، وتقاعس عن نصرتهم، وبخل عليهم ولو بكلمة طيبة أو دعاء خالص، يلوم الأساتذة المتدربين ويحملهم المسؤولية إن لم يسقطوا المرسومين! بل تجد من يتهمهم برفع شعار إسقاط المرسومين كذريعة للوصول إلى الوظيفة. فمن كان هذا سبيله فالله حسيبه. وإنه بعد رفض أساتذة الغد للطرح الحكومي، قاموا بمعية النقابات ومبادرة المجتمع المدني بصياغة مقترح عملي يتضمن ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اعتبار امتحان التخرج بمثابة مباراة لتعيين جميع الأساتذة والأستاذات، بداية شهر شتنبر2016، بدل مباراة التوظيف. "وهو مطلب يرمي إلى ربط التكوين بالتوظيف، وفي حد ذاته يسقط المرسوم رقم 588-15-2 الذي يفصل التكوين عن التوظيف. إن مطلبهم الأولي واضح، فهم كما قلنا آنفا، لا يطالبون الحكومة بالتوظيف المباشر، فإذا كانت الحكومة متشبثة بمباراة التوظيف، فهم يقترحون استبدال مباراة التوظيف بمباراة التخرج من مراكز التكوين، واعتبارها مباراة لتعيينهم في سلك الوظيفة العمومية. أليس هذا تنازلا إيجابيا قدمه أساتذة الغد؟ فأين تنازل الحكومة إذا؟ فمن الذي يحاور؟ ومن الذي يناور؟ المطلب الثاني: إرجاع المنحة إلى طبيعتها الأصلية، أي: الاجرة بقيمة 2454 درهم. "وهو مطلب يلغي المرسوم رقم 589-15-2 الذي يقلص المنحة من 2450 درهم ، إلى 1200 درهم". إن كل إصلاح ننشده يروم تحقيق جودة تعليمية يقتضي الزيادة في الأجور و المنح، تحفيزا للأساتذة على التحصيل العلمي، الذين هم في أمس الحاجة إلى الزيادة لا إلى النقصان. أننتظر من أستاذ متدرب نمنحه 1200 درهم شهريا، أن يحقق لنا جودة تعليمية في المستقبل؟ فكيف تطمع الحكومة في منحة الأستاذ، وتحولها من أجرة إلى منحة، وتقوم بتقزيمها ألى أقل من النصف؟ المطلب الثالث: إرجاع المرسومين إلى طاولة الحوار العمومي والقطاعي، بإشراك جميع الفاعلين التربويين والحقوقيين والنقابيين والسياسيين…قصد مراجعتهما. إن هذا المطلب لو تحقق على أرض الواقع، لأخرج الحكومة من مأزق المرسومين الذين تورطت فيهما، ولو تم تقريره لأتاح فرصة للحكومة لتمرير المرسومين إلى دائرة النقاش العمومي، وتجميد إنزال المرسومين، في انتظار ما قد تسفر عنه نتائج النقاش. وهكذا لن تفقد الحكومة هيبتها وقيمتها، كما تظن. فكم من مرسوم وقانون أعيد الى طاولة الحوار، لإعادة النظر في مضامينه أو تغييره أو تتميمه؟ وهل فقدت الحكومة هيبتها ومكانتها…؟ ومن القائل أن إرجاع المراسيم والقوانين إلى مائدة النقاش، يتم على إثره فقدان الحكومة لسمعتها…؟ ألم يقم وزير التربية الوطنية بتجميد قرار طرد 160 أستاذا، رسبوا في امتحان الكفاءة التربوية؟ فهل فقد هيبته بعدوله عن هذا القرار؟ إن المقترح المقدم من طرف أساتذة الغد لحل أزمة المرسومين، مقترح ملائم ومناسب، عادل وشامل ومشروع، يتناغم مع روح الحوار البناء، تمت صياغته صياغة توافقية وتشاركية، بإشراك النقابات ومبادرة المجتمع المدني، يفضي إلى إلغاء المرسومين شكلا ومضمونا، ويعيدهما إلى طاولة الحوار العمومي، ولو تم قبوله من طرف الحكومة، لكان مكسبا تاريخيا للطرفين معا، لكنه يحسب لأساتذة الغد. وفي الأخير ما على الحكومة إلا أن تعترف بخطئها الفادح تجاه أساتذة الغد، وأن تبدي رغبة حقيقية في الحوار والتفاوض، إن كانت فعلا حريصة على مصلحة الوطن، أما نهجها لأسلوب التحدي والتعنت والتهديد فسيفقدها قيمتها ومكانتها. والذي نظنه أن بوادر تراجع الحكومة، واستسلامها أمام مطالب أساتذة الغد المشروعة والعادلة، قد بدأت تلوح في الأفق بعد اعتراف رئيس الحكومة بعدم قانونية المرسومين المشؤومين. فاذا أي مقترح أنسب وأصلح لحل أزمة المرسومين؟ أنصفونا يا أولي الألباب… أستاذ متدرب؛ مركز المشور مراكش.