علمت أن الجامعة الوطنية لكرة القدم ستخصص ما يقارب 100 مليون سنتيما لكل لاعب كمكافأة عن تأهل المغرب لمونديال قطر لكرة القدم، والغريب أن الوزارة اعتبرت ذلك المبلغ ليس بالكثير، وقلت: كم أنا تافه! قضيت 36 سنة أُعَلم وأُربي، وتَخَرج على يدي عشرات من الأطر الكفأة، أطباء، مهندسون، أساتذة، محامون، ورجال سلطة….، وأقصى ما توفر لدي 1 مليون سنتيما، ولم تتكرر فرحتي بالمليون إلا نادرا! ولم أتلق في حياتي منحة قط من وزارة التربية الوطنية، بل أصبح كل أملي أن ترفع الحكومة يدها عن ذلك المبلغ الزهيد، وتكف عن الاقتطاعات التي لا تتوقف. كم أنا تافه، لأني اخترت أن أنضم إلى فريق بناة الحضارة، اخترت أن أشارك في صياغة العقول، اخترت أن أدخل ميدان العلم والفكر والتربية لأسجل أهدافا لصالح وطني وأمتي، كي أبوئها مكانة مرموقة بين الأمم، معتقدا أن المعركة معركة علم وحضارة وتِقَانة! كم أنا تافه، ولم أنتبه أني كنت أمتلك أسباب التميز في العزف على أوتار التفاهة، حتما كان بمقدوري أن أحظى من السادة الوزراء بكل الامتيازات والمنح، كنت أمتلك صوتا ذهبيا كما كان يصفه زملائي، وقدرة على الحكي والتمثيل…، وكان شغفي بكرة القدم والرياضة عامة يصل إلى مستوى الهوس، كيف لا وقد كنت أحد تلاميذ شعبة التربية البدنية بثانوية مولاي إسماعيل بفاس! كم أنا تافه أن أعيش الفقر من أجل أن أرفع من قدر وطني، استطعت بالكاد، طيلة هذا العمر الذي أفنيته داخل محراب العلم، أن أؤمن شقة لأسرتي وأشتري سيارة بالتقسيط! ويزيدني إحساسي بتفاهة اختياري عندما أشاهد ما يتعرض له الأستاذ اليوم من تهميش واقتطاع من أجرته، بل ومحاكمات صورية، في الوقت الذي يتوج فيه صانعو الانتصارات المزيفة، ويتقلدون الأوسمة، وتنثر تحت أقدامهم الملايين! أمام هذا السخاء الحاتمي من حكومتنا الموقرة، أسمع خبر توقيف أجرة 4 أساتذة وتهديدهم بالعزل بجهة مراكشآسفي، فأتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن منطق الأولويات مختل في بلدي. الله غالب.