الحرب الروسية ضد أوكرانيا ليست حربا بل عدوان. والمشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام ومواقع التواصل هي نفس المشاهد في جميع الحروب؛ مدنيون يقتلون؛ وسكان يفرون؛ وملايين الناس يخلون بيوتهم؛ وصراخ وعويل. إنها الحرب المقرفة. ولكن ما هكذا كانت فتوح المسلمين. ما هكذا كانت فتوحات المسلمين في تاريخهم النبيل. إننا نصور فتوحات المسلمين على أنها كانت تدميرا وحرقا وتهجيرا. هكذا يقولون لك؛ أنها غزوات. حتى الحروب التي دخلوها كانت حروبا نظيفة؛ أعني حروب صد العدوان. ولا يوجد في كتب التاريخ الآخر ما يدل على أن الناس كانوا يهربون من أمام المسلمين الداخلين. لا يوجد قتل ولا تشريد ولا جثت في قارعة الطريق ولا سيوف تنغرز في صدور الناس. ولو وجد مثل هذا لكتبوه باللون الأحمر حتى تراه. ولكن الذي يوجد جمل مفيدة فيها الفعل والفاعل والمفعول به؛ إنما هي جمل لا تعكس واقعا؛ بل تعبر عن الأكاذيب. أتظن أن المسلمين قتلوا الناس ولم يكتبه اعداؤهم ويشهروه أمام الملأ؟ بل كان من نظافة المسلمين أنك تقرأ الأخطاء عند مؤرخيهم أنفسهم لا عند غيرهم؛ ولن تجد هذا عند غير المسلمين؛ لأنهم كانوا يدركون بأن الدين لله وأن الغزوات كانت لنشر دينه. ولذلك تجد خصوم الإسلام عندما يريدون مهاجمة المسلمين يعتمدون على مؤرخي المسلمين أنفسهم. وهذا دليل على أن المسلمين لم يكذبوا على تاريخهم. ليس عند هؤلاء سوى الطبري وابن كثير وابن الأثير والمسعودي. ولكن هؤلاء كانوا مؤمنين ولا يوجد بينهم من يقول إن الفتوحات كانت للغزو والنهب. وإذا كانوا قد أحصوا الأخطاء فإنهم كانوا يؤمنون بأن الفتوحات لم تكن غزوا من حيث المبدأ؛ وإن كانت الأخطاء هي الأخطاء. حتى المستشرقون الذين قالوا بذلك لم تكن لديهم أدلة. لقد توفرت لهم الكتب والمصادر التي سرقت من أيدي المسلمين؛ وفتشوها ورقة ورقة؛ بل هم الذين حققوا الكثير من كتب التراث وأخرجوها للناس؛ أتظن أنهم وجدوا دليلا ثم أخفوه عن الناس؟. واليوم لا أحد من هؤلاء يأتي على ذكر الغزو في الحروب التي يشنها الغرب وروسيا والصين. إنهم يستعملون كلمة محايدة هي الحرب؛ وهي كلمة تسوي القاتل بالقتيل. بل الغزو خاص بالمسلمين. ما قام به المسلمون غزوات؛ أما ما يقوم به الغرب فهو حروب فقط. وقد أبدع الغرب في مفاهيم الحرب. فهناك الحرب الخاطفة؛ والحرب النظيفة. ولكننا لا نعرف في التاريخ حروبا نظيفة سوى فتوحات المسلمين. وهذا ما هو موثق.