حظ المغرب هذه السنة ليس سعيدا، فقد اجتمعت عليه ثلاث أزمات كبيرة: استمرار تداعيات جائحة كورونا، وتأثيرها الكبير على المواد الخام، وتسببها في موجات متتالية من ارتفاع الأسعار، وأزمة ارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، وما يرافقها من رفع أسعار النقل، ويترتب عنها من رفع أسعار كل المواد، وفي مقدمتها المواد الغذائية، ثم أزمة جفاف لم يعرف المغرب مثيلا له منذ سنة 1981، إذ يعرف المغرب هذه السنة نقصا كبيرا في التساقطات، وندرة المياه، وما يترتب عنه من ارتفاع أسعار الأعلاف، وهو ما يمكن أن تكون له آثار صعبة على العالم القروي، الذي يعيش على الفلاحة وتربية المواشي. أحزاب الائتلاف الحكومي، تباطأت كثيرا في الخروج إلى الرأي العام، حتى خرجت عدد من التعبيرات الاحتجاجية للشارع (حوالي 57 احتجاجا في مدن مختلفة) بمناسبة ذكرى 20 فبراير، وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى موجة غضب عارم على صمت الحكومة وعدم مبالاتها بالمعاناة الشعبية، وانتظرت المبادرة الملكية، بتخصيص 10 ملايير للتخفيف من معاناة العالم القروي (تقريب المياه إلى دواويره، ودعم الفلاحين بتقديم مواد العلف إلى مواشيهم حتى لا يضطروا إلى بيعها بأبخس الأثمان) لتقوم بعد ذلك التعريف بعناصرها. الملاحظة التي تم تسجيلها في حراك الشارع وتعبيراته، أنه بسرعة كبيرة، حول شعاراته إلى احتجاج سياسي على حكومة أخنوش (المطالبة بإسقاطها) مركزا على قضية العلاقة بين الثروة والسلطة، التي كانت محور الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير، لكن، هذه المرة، كانت صورة رجال الأعمال والمال من حزب التجمع الوطني للأحرار، وبشكل خاص، زعيم الحزب، السيد عزيز أخنوش، في فوهة المدفعية، وتم استعادة النقاش حول الهوامش غير المشروعة لربح شركات المحروقات، وبشكل أساسي شركته «إفريقيا» وكيف تمكنت هذه الشركات من جني حوالي 38 مليار درهم من جراء استفادتها من تحرير الأسعار وتحكمها في سعر المحروقات، كما استعادت النقاش حول دور مجلس المنافسة، وعجزه في مواجهة «الأسماك الكبيرة» بل تمت مساءلة مشروع المخطط الأخضر (مخطط تطوير الفلاحة في المغرب) الذي كان السيد عزيز أخنوش مسؤولا عنه، وكيف أظهر الجفاف هشاشته، والتفاته فقط إلى الفلاحين الكبار، وعدم وضعه للفلاحين الصغار في صلب اهتماماته. حزب العدالة والتنمية، على لسان أمينه العام الجديد، عبد الإله بن كيران، كانت له خرجة إعلامية في الدورة العادية للمجلس الوطني لحزبه، حظيت بتفاعل واسع. فمع أنه قدم نوعا من الدعم السياسي لحكومة عزيز أخنوش، رافضا دعوات إسقاطها، بحجة أنها لم تتجاوز خمسة أشهر من عمرها، وأن إسقاطها ستكون رسالة سياسية تضر باستقرار المغرب وصورته في الخارج، إلا أنه في المقابل، استثمر لحظة الغضب الشعبي العارم على سلوك الحكومة الانتظاري، ليؤكد على ضرورة تصحيح الإرباك الذي تعرض له المسار الديمقراطي في المغرب في انتخابات 8 سبتمبر، وأن نتيجة ذلك ظهرت سريعا، فحكومة رجال المال والأعمال، التي حظيت بدعم الإدارة حسب زعيم العدالة والتنمية، أضحت عاجزة عن مواجهة الشارع، بل عاجزة عن القيام بأي وساطة سياسية لتهدئة الاحتقان، وأن الدفاع عن الاستقرار السياسي، في هذه اللحظة السياسية، لا يعني تزكية الوضعية الديمقراطية الهشة، وبالتالي عدم التقاط رد الفعل الشعبي. ابن كيران، استثمر اللحظة السياسية، ووجه رسالتين اثنتين، الأولى للمجتمع وذلك بالصبر على هذه الحكومة سبعة أشهر إضافية، أي حتى تستكمل سنة، وذلك حتى يتبين عجزها الكامل، وحتى لا يتم الإضرار باستقرار المغرب السياسي وصورته في الخارج. والثانية إلى الدولة، وذلك بدعوتها إلى إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها بعد مرور سنة، في حال ثبت عجز عزيز أخنوش عن تسيير الحكومة، وحتى يتم تصحيح سياسية إرباك المسار الديمقراطي التي عرفها البلاد في انتخابات 8 سبتمبر الماضي. صورة عزيز أخنوش، تكسرت في بضعة أشهر، وصارت بؤرة النقاش العمومي، هي العلاقة بين الثروة والسلطة، وعدم التفات رجال المال والأعمال إلا لمصالحهم وهوامش ربحهم غير المشروعة، ولو على حساب معاناة الشعب والطبقات الفقيرة رسالة التقدم والاشتراكية، الحليف السابق لحزب العدالة والتنمية، لم تكن مختلفة، فقد كان بلاغ مكتبه السياسي عقلانيا في قراءة أسباب ظاهرة ارتفاع الأسعار، وتبنى تقريبا نفس القراءة التي ذكرها ابن كيران في خطابه، فثمة من جهة ظروف عالمية هي التي تسببت في ارتفاع الأسعار، لكن، في الجانب المقابل، ثمة تقصيرا حكوميا، وعجزا عن اتخاذ إجراءات مهمة كان من الممكن أن تخفف من معاناة الشعب، ومن ذلك الإجراءات التي تخص قطاع المحروقات، وكيف تزكي الحكومة واقع استمرار هوامش الربح غير المشروعة لشركات المحروقات، والتي تتسبب في ارتفاع أسعار النقل، ومن ثمة ارتفاع أسعار كل المواد وفي مقدمتها المواد الغذائية. بلاغ التقدم والاشتراكية، لم يغفل توجيه انتقادات حادة إلى سياسات واستراتيجيات الأمن المائي، إذ اتهمت الحكومة بالتباطؤ في القيام بمشاريع استراتيجية هيكلية، كان من الممكن أن تؤمن قسطا وافرا من الحاجيات المائية سواء منها للشرب أو للسقي. الأغلبية الحكومية، استفاقت متأخرة، وجاء تدخلها بعد حراك الشارع، وبعد المبادرة الملكية، وبعد تدخل زعيم العدالة والتنمية، غير أن جوابها وأسلوب تواصلها السياسي والإعلامي، حظي بسخرية جديدة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم تضف شيئا جديدا عما جاءت به المبادرة الملكية، وفضلت أن تنسب الاحتقان إلى ما سمته بإرث سنوات تدبير حكومة العدالة والتنمية، مشيرة في ذلك إلى عشر سنوات الماضية، ورافعا شعار «الله غالب» في إشارة إلى عجزها عن مواجهة هذه التحديات الصعبة، أو قلة حيلتها إزاء ما تتطلبه من إمكانات ضخمة لتلبية حاجة المجتمع في هذه الضائقة المركبة. المفارقة التي تم تسجيلها أنه في الوقت الذي قدم زعيم العدالة والتنمية دعما سياسيا جزئيا لحكومة أخنوش، وذلك من خلال دعوة الشعب إلى عدم الاستجابة لدعوات إسقاطها وانتظار مدة سنة، وإجراء التغيير في إطار دستوري مؤسساتي (مبادرة الملك بإجراءات انتخابات سابقة لأوانها) جاء جواب أحزاب الائتلاف الحكومي، لا يرد التحية بنفسها ولا بأحسن منها، بل جاء يلصق الأزمة بإرث الحكومة السابقة، التي كان عزيز أخنوش مسؤولا فيها عن قطاع الفلاحة، وعن تنمية العالم القروي. المثير في ديناميات الأحزاب السياسية، أن موقف حزب عبد الرحيم بوعبيد (الاتحاد الاشتراكي) جاء بعيدا عن حراك الشارع وتطلعاته، وكان أقرب إلى أن يكون جواب حزب حكومي، يقترح إجراءات لمواجهة الأزمة، كما ولو أنه لا يزال يؤمل موقعا في الحكومة ويقنع بضرورة وجوده فيها، ويوجه رسالة إلى الدولة بأن غيابه عن الحكومة مكلف، وأنه لو كان فيها، لكان استبق الوضع، وقدم حلولا تخفف من المعاناة الشعبية، وتقطع مع حالة الانتظارية القاتلة التي تعرفها الحكومة في تعاطيها مع الاحتقان الاجتماعي. حزب التجمع الوطني للأحرار، في هذه الظرفية الصعبة أعلن في سياق التهيؤ لمؤتمره القادم، عن فتح باب الترشيح على الأمانة العامة، وسط تسريبات بإمكانية مغادرة عزيز أخنوش للقيادة، وتغييره بمولاي حفيظ العلمي، تهييئا لسيناريو شبيه لإعفاء ابن كيران وتعيين سعيد الدين العثماني من نفس الحزب رئيسا للحكومة. هذه الديناميات المتقابلة، تكشف في الجوهر عدم رضى على حكومة عزيز أخنوش، بل تكشف انزعاجا من ضعف وساطتها السياسية، فصورة عزيز أخنوش، تكسرت في بضعة أشهر، وصارت بؤرة النقاش العمومي، هي العلاقة بين الثروة والسلطة، وعدم التفات رجال المال والأعمال إلا لمصالحهم وهوامش ربحهم غير المشروعة، ولو على حساب معاناة الشعب والطبقات الفقيرة لاسيما في العامل القروي. التقدير أن الحراك الشعبي في المغرب لن يبلغ مديات بعيدة، فالملك في النسق السياسي، والمخيال الشعبي، والإطار الدستوري، يظل هو مركز الثقل، والمرجع عند الخلاف، والذي يضمن الأمن والاستقرار، ويؤمن سير المؤسسات، وهو فوق ذلك، الذي يملك الخيارات الواسعة للقيام بالإصلاحات الضرورية، سواء كانت في شكل إصلاح دستوري، أو تغيير حكومي، أو دعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، أو في شكل مبادرة تضامن اجتماعي واسع، تلزم الأغنياء بتخفيف المعاناة عن الفقراء على شاكلة ما فعل في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.