إنهاء "أزمة طلبة الطب" يطرح إشكالية تعويض الأشهر الطويلة من المقاطعة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب خُطبَة السلطان سليمان العلوي في الانتصار للسنة و..
نشر في هوية بريس يوم 06 - 11 - 2013


هوية بريس – الأربعاء 06 نونبر 2013م
العنوان: خُطبَة السلطان سليمان العلوي في الانتصار للسنة ومحاربة بدع الطوائف الضالة.
المؤلف: السلطان مولاي سليمان بن محمد بن عبد الله بن اسماعيل العلوي المغربي -رحمه الله- ملك المغرب (ت:1238ه).
تقديم: العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله.
الأجزاء: رسالة لطيفة في سبع عشرة (17) صفحة.
المقدمة: بَيَّن فيها العلامةُ الهلالي عظمَ قدر هذه الخطبة المباركة، وأنها "جَيشٌ من جُيوش التَّوحيد والسُّنَّة؛ لتَطهير العُقول من الشرْك والبدْعة؛ وتوجيههم لاتِّباع الكتاب والسُّنة، إذ لا صَلاح ولا فَلاح للمسلمين إلا بذلك"، يقول الشيخ رحمه الله: "وقد عنى بها العلماءُ المخلصون من يوم صُدورها إلى يومنا هذا بالطَّبع والنَّشر والشَّرح؛ لما اشتملَت عليه من النَّصيحة للمسلمين؛ وإبعادهم عن سُلوك طريق المجرمين؛ الذين يأكلون خَيْرَ الله؛ ويَعبُدون غَيْرَ الله، وقد صدَّتهُم الشياطينُ عن التمسك بسنَّة المُرسلين"، ثم ذكر الشيخُ رحمه الله سببَ إنشاء هذه الخطبة وتَعميمها في جميع المساجد المغربية، وثناءَ العلماء والمصلحين عليها؛ كالفقيه الأديب اللوذعي الأريب السيد الحبيب الرشدي؛ القائل فيها:
يا حُسنَها من خُطبةٍ أحيا بها — ما مَاتَ من سُنن الشيوخ المُجَّد
وكأبي القاسم الزياني صاحب (الترجمانة الكبرى التي جمعت أخبار العالم بَرا وبحرا) القائل: "الخُطبة التي لم يُسمع مثلها فيما مضى من العصور، ولا ذكرها ملكٌ ولا عالمٌ مشهور، فهي سادسةُ خُطب الخُلفاء الأربع؛ اللواتي انتفع الناسُ بها أجمع، مع خُطبة الإبريز التي أملاها عمر بن عبدالعزيز..". وكفقيد السلفية والدعوة للإصلاح الديني العلامة عبدالسلام السرغيني في محاضرته في "الدعوة لإقامة السنة ومحاربة البدع" وغيرهم من علماء القرويين…
قلت: ولما تقدَّم ذكرُه وسبق زَبرُه -وغيره كثير-؛ أحببتُ نشرَ هذه الخُطبة البَهيَّة السَّنيَّة السُّنيَّة، طمعا في الأجر والثواب، ورَغبة في نُصرة السنة والكتاب، ورَهبة لكل دَعيٍّ كذَّاب، مراعيا التصحيح والتحقيق قدر الإمكان، مستعينا بطبعة الساحل الرباطية المغربية، وطبعة الرضوان المصرية، وما جاء في كتاب "علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم" والله المستعان وعليه الاعتماد والتُّكْلان.
نَصُّ الخُطْبَة: الحمدُ لله الذي تَعبَّدنا بالسَّمع والطاعة، وأَمرَنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحَفظَ ملَّة نبيه الكريم وصَفيِّه الرؤوف الرحيم من الإضَاعَة إلى قيام السَّاعة، وجعل التَّأسِّيَ به أنفعَ الوسائل النافعة، أحمدُه حمداً يُنتج اعتمادَ العبد على ربِّه وانقطاعه، وأشكره شكراً يَقصُر عنه لسانُ البراعة، وأستمدُ معونته بلسان المَذلَّة والضَّراعة، وأُصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة، والرضى عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسَب الاستطاعة.
أما بعد، أيها الناس: شرَح الله لقَبول النصيحة صُدورَكم، وأصلح بعنايته أمورَكم، واستعمل فيما يُرضيه آمرَكم ومأمورَكم، فإن الله قد اسْتَرْعانا جماعتَكم، وأوجب لنا طاعتَكم، وحذَّرنا إضاعتَكم {يا أيُّها الذين آمنوا أَطيعُوا اللهَ وأطيعوا الرَّسولَ وأُولي الأَمْر منكُم}، سيَما فيما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو هو محرَّمٌ بالكتاب والسنة النبويَّة، وإجماع الأمة المحمدية {الذين إن مَكَّنَّاهُم في الأرض أقاموا الصلاةَ وآتَوا الزكاةَ وأمروا بالمعروف ونهَوا عن المنكر ولله عاقبةُ الأُمور}.
ولهذا نَرثي لغفلتكم! أو عدم إحساسكم! ونَغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم!
فألقُوا لأمر الله آذانَكم، وأَيْقظوا من نوم الغفلة أجفانَكم، وطَهِّرُوا من دَنَس البدع إيمانَكم، وأخلصُوا اللهَ إسرارَكم وإعلانَكم، واعلَموا أنَّ اللهَ بمَحض فضله أوضَح لكم طرقَ السُّنة لتسلكوها، وصرَّح بذمِّ اللَّهو والشهوات لتَمْلكوها، وكلَّفكم ليَنظُر عملَكم، فاسمعوا قولَه في ذلك وأطيعوه، واعرفُوا فضلَه عليكم وعُوه، واترُكوا عنكم بدعَ المواسم التي أنتم بها مُتلبِّسون! والبدعَ التي يُزيِّنُها أهلُ الأهواء ويُلبِّسون، وافترَقوا أوزاعا! وانتَزَعوا الأديانَ والأموالَ انتزاعا! فيما هو حرامٌ كتاباً وسنَّةً وإجماعاً! وتَسَمَّوا فُقَرَاء، و أحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سَقَرا!
{قُل هَل نُنبِّئُكُم بالأخْسَرين أعمالا الذين ضَلَّ سَعيُهم في الحياة الدُّنيا وهُم يَحسبُون أنَّهم يُحسنُون صُنعا}.
وكلُّ ذلك بدعةٌ شَنيعة، وفِعلةٌ فَظيعَة، وسُبَّةٌ وَضيعَة، وسُنَّة مُخالفةٌ لأَحْكام الشّريعة، وتلبيسٌ وضلالٌ، وتدليسٌ شيْطانيٌّ وخَبالٌ، زيَّنَه الشيطانُ لأوليائه فَوقَّتوا له أوقاتاً! وأنفَقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دَراهمَ وأقواتاً!
وتصدَّى له أهلُ البدع من "عيساوة" و"جلالة" وغيرُهم من ذوي البدع والضَّلالة، والحَماقة والجَهالة، وصارُوا يَترقَّبون للَهْوِهم الساعات! وتَتَزاحمُ على حبال الشيطان وعِصِيِّه منهم الجماعات! وكل ذلك حرامٌ ممنوعٌ، والإنفاقُ فيه إنفاقٌ في غير مشروع.
فأَنشُدُكم اللهَ عبادَ الله؛ هل فعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعَمِّه سيِّد الشُّهداء مَوسماً؟
وهل فعل سيِّدُ هذه الأُمَّة أبو بكر لسيِّد الإِرْسَال صلى الله عليه وعلى جميع الصَّحابة والآل مَوسماً؟
وهل تصَدَّى لذلك أحدٌ من التَّابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ثُم أَنشُدُكم اللهَ؛ هل زُخْرفَت على عهد رسول الله المساجدُ؟!!
أو زُوِّقت أضرحةُ الصَّحابة والتابعين الأمَاجد؟!!
كأنِّي بكُم تَقولون في نَحو هذه المواسم المذكوُرة؛ وزَخرَفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبُنا الاقتداء والاتباع {إنَّا وَجَدْنا آبَائَنا على أُمَّة وإنَّا على آثارهم مُقتَدون}، وهذه المقالةُ قالها الجَاحدُون {هَيهات هَيهات لما تُوعَدون} وقد رَدَّ اللهُ مقالَهم، ووبَّخَهم وما أقالَهم، فالعاقلُ مَن اقتدى بآبائه المُهتدين، وأهل الصَّلاح والدِّين، "خير الناس قرني…" الحديث.
وبالضَّرُورَة أنَّه لن يَأْتِيَ آخرُ هذه الأمَّة بأهدى ممَّا كان عليه أوَّلُها، فقد قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعَقْدُ الدِّين قد سُجِّل، ووَعْدُ الله بإكماله قد عُجِّل {اليومَ أَكمَلْتُ لكُم دينَكُم وأتمَمْتُ عليكُم نعْمَتي ورَضيتُ لكُم الإسلامَ دينا}.
قال عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصَّحابة رضي الله عنهم: "أيُّها الناس، قد سُنَّت لكُم السُّنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتُم على الجادَّة، فلا تَميلُوا بالنَّاس يمينا ولا شمالا".
فليس في دين الله؛ ولا فيما شرع نبيُ الله؛ أن يُتقرَّبَ لله بغناء ولا شَطْح، والذِّكرُ الذي أَمَرَ اللهُ به؛ وحَثَّ عليه؛ ومَدَح الذاكرين به؛ هو على الوَجه الذي كان يفعلُه صلى الله عليه وسلم؛ ولم يكن على طريق الجَمْع ورَفْع الأصْوَات على لسان واحد، فهذه سُنَّةُ السلف؛ وطريقةُ صَالحي الخلف، فمَن قال بغير طريقهم فلا يُستمَع، ومَن سلك غير سَبيلهم فلا يُتَّبَع {ومَن يُشَاقق الرَّسولَ من بعَد ما تَبَين له الهُدى ويَتَّبع غيرَ سَبيل المؤمنين نُوَلِّه ما تَوَلَّى ونُصْله جَهنَّمَ وساءت مَصيراً}، {قُلْ هَذه سَبيلي أَدْعُوا إلى الله على بَصيرَة أنا وَمَن اتَّبَعَني، وسُبْحان الله ومَا أنا من المُشْركين}، فما لكُم يا عبادَ الله ولهذه البدَع؟! أَأَمْناً من مَكْر الله؟! أم تَلبيساً على عباد الله؟! أم مُنابَذةً لمن النَّواصي بيدَيه؟! أم غُروراً لمن الرُّجوعُ بعدُ إليه؟!
فتُوبُوا واعتَبرُوا، وغَيِّرُوا المَنَاكرَ واستَغفرُوا، فقد أخذَ اللهُ بذَنْب المُترَفين مَن دونَهم! وعاقَبَ الجُمهورَ لَمَّا أَغْضَوْا عَن المنُكر عُيونَهم، وسَاءَت بالغَفلة عن الله عُقبى الجميع؛ ما بين العاصي والمُداهن المُطيع! أَفيُزلُّكم الشيطانُ وكتاب ُالله بأيديكم؟ أم كيف يُضلُّكم وسنةُ نبيِّكم تُناديكم؟! فتُوبوا إلى ربِّ الأرْبَاب {وَأَنيبُوا إلى ربِّكُم وأَسْلِمُوا له من قَبل أن يَأْتيَكُم العذابُ ثمَّ لا تُنصَرون}، ومَن أرادَ منكُم التَّقرُّب بصدقة، أو وُفِّقَ لمعرُوفٍ أو إطعامٍ أو نفقةٍ، فعَلى مَن ذَكر اللهُ في كتابه؛ ووَعَدَكُم فيهم بجَزيل ثوابه، كَذوِي الضرورة الغير الخافية، والمَرْضى الذين لستُم بأَوْلى منهم بالعافية، ففي مثل هذا تُسَدُّ الذَّرائع، وفيه تُمتَثلُ أوامرُ الشَّرائع {إنَّما الصَّدقاتُ للفُقَراء والمَسَاكين والعَاملين علَيها والمُؤلَّفة قُلوبُهم وفي الرِّقاب والغَارمين وفي سَبيل الله وابْن السَّبيل فَريضةً منَ الله واللهُ عليمٌ حكيمٌ}.
ولا يُتقرَّبُ إلى مَالك النَّواصي؛ بالبدَع والمَعَاصي! بل بما يَتقرَّبُ به الأولياءُ والصَّالحون؛ والأتقياءُ المُفلحون: أكلُ الحَلال، وقيامُ اللَّيالي، ومُجاهدةُ النَّفس في حفظ الأَحْوال، بالأقوال والأفعال، البَطْنُ وما حوى، والرَّأسُ وما وَعَى، وآياتٌ تُتْلَى، وسُلوكُ الطَّريقة المُثلى، وحَجٌّ وجهادٌ، ورعايةُ السُّنَّة في الموَاسم والأعْياد، ونصيحةٌ تُهتَدى، وأمانةٌ تُؤدَّى، وخُلُقٌ على خُلقِ القرآن يُحْدَى، وصَلاةٌ وصيَامٌ، واجْتنابُ مَوَاقع الآثام، وبَيْعُ النَّفس والمال منَ الله {إنَّ اللهَ اشْتَرى من المُؤمنين أنفُسَهم وأموالَهم بأنَّ لهُم الجَنَّة} الآية، {وأنَّ هذا صرَاطي مُسْتَقيماً فَاتَّبعُوه ولا تَتِّبعُوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكُم عَن سَبيله}.
الصِّراطُ المستقيمُ كتابُ الله وسُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الصراطُ المستقيمُ كثرةَ الرَّايات، والاجتماعَ للبَيَات، وحضورَ النِّساء والأَحْداث، وتَغييرَ الأحكام الشَّرعيَّة بالبدع والإِحْداث؛ والتَّصفيقِ والرَّقصِ، وغير ذلك من أوصاف الرَّذائل والنَّقص..؟ {أفَمَن زُيِّنَ لهُ سُوءُ عَمَله فرءاه حسنا}.
عن المقدام بن مَعْدي كَرب رضي الله عنه: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءُ بالرجل يومَ القيامة وبين يديه رايةٌ يَحملُها، وأُناسٌ يَتبَعُونَها، فيُسأل عنهم ويُسألون عنه"، {إذْ تبَرَّأَ الذين اتُّبعُوا من الذين اتَّبَعوا ورَأوا العذابَ وتَقطَّعت بهم الأسْبابُ، وقال الذين اتَّبَعوا لو أنَّ لنا كرَّةً فنَتبرَّأ منهم كما تَبرَّؤوا منَّا}.
فيجبُ على مَن وَلاَّه اللهُ من أمر المُسلمين شيئاً من السُّلطان والخلائف؛ أن يَمنَعُوا هؤلاء الطَّوائف؛ من الحُضور في المساجد وغيرها، ولا يَحلُّ لأحد يُؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يَحضرَ معَهم أو يُعينَهم على باطلهم، فإيَّاكم ثُمَّ إيَّاكم والبدعَ، فإنَّها تتركُ مراسمَ الدِّين خاليةً خاويةً، والسُّكوتُ عن المناكر يُحيل رياضَ الشَّرائع ذابلةً ذاويةً، فمن المنقُول عن الملَل؛ والمشهُور في الأواخر والأُوَل؛ أنَّ المناكرَ والبدعَ إذا فَشَت في قوم أحَاطَ بهم سُوء كَسْبهم، وأَظلَمَ ما بينهم وبين ربِّهم، وانقَطَعت عنهُم الرَّحَمات، ووَقَعت فيهم المَثُلاث، وشَحَّت السَّماءُ، وحَلَّت النَّقماءُ، وغيضَ الماءُ، واستَولَت الأعداءُ، وانتَشَر الدَّاءُ، وجَفَّت الضُّروعُ، ونَقَصَت برَكةُ الزُّروع، لأنَّ سُوءَ الأدَب مع الله يَفتحُ أبوابَ الشَّدائد، ويَسدُّ طُرقَ الفَوائد، والأدبُ مع الله ثلاثة: 1) حفظُ الحُرمة بالاسْتسلام والاتِّباع، 2) ورعَايةُ السُّنَّة من غَير إخلال ولا ابْتداع، 3) ومُراعاتُها في الضِّيق والاتِّساع.
لا مَا يَفعَلُه هؤلاء الفُقَراء، فكلُّ ذلك كذبٌ على الله وافتراءٌ {قُل إن كُنتُم تُحبُّون اللهَ فَاتَّبعُوني يُحْببكُم اللهُ ويَغْفرْ لكُم ذُنوبَكم}. عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وَعَظَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَوْعظَةً ذَرَفَت منها العُيُون، ووَجلَت منها القُلوب، فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مُوَدِّع، فما تَعْهَدُ إلينا؟ أو قال: أَوْصنا، فقال: أُوصيكُم بتقوى الله، والسَّمع والطَّاعة لمن ولى عليكم؛ وإن عبدا حَبشيا، فإنَّه مَن يَعش بعدي فسَيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء الرَّاشدين من بَعدي، تَمَسَّكُوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكُم ومُحدَثات الأمُور؛ فإنَّ كلَّ مُحْدثة بدعَةٌ، وكلَّ بدعة ضَلالة".
وها نحنُ عبادَ الله أرْشَدْناكُم وأنْذَرْناكُم وحَذَّرْناكُم، فَمَن ذَهبَ بعدُ لهذه المواسم، أو أحْدَثَ بدعةً في شَريعَة نبيِّه أبي القاسم، فقد سَعى في هَلاك نَفسه، وجَرَّ الوَبَالَ عليه وعلى أبْناء جنْسه، وتَلَّهُ الشَّيطانُ للجَبين، {وخَسر الدُّنيا والآخرةَ ذلك هو الخُسرانُ المُبين}، {فَلْيَحْذَر الذين يُخالفُون عَن أمْره أن تُصيبَهُم فتنَةٌ أو يُصيبَهُم عَذابٌ أليمٌ} اه.
رحم الله العلامة المجاهد السُّلطان مولاي سليمان مَفخرةَ ملوك المسلمين، وحامي حِمى الملَّة والدِّين، وسقى الله ثراه، وجعل في عليِّين مثواه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.