أعلن التلفزيون الباكستاني اليوم الأحد -العاشر من أكتوبر 2021- وفاة العالم النووي عبد القدير خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني عن عمر ناهز 85 عاما. ويعتبر الباكستانيون عبد القدير خان أسطورة وشخصية قومية فوق العادة، حيث وضعوه في مصاف الشاعر الكبير محمد إقبال صاحب فكرة إنشاء باكستان ومحمد علي جناح قائد مشروع إنشاء الدولة. وعلى يديه دخلت إسلام آباد نادي الدول النووية، واستكمل إنشاء مفاعل كاهوتا النووي الباكستاني في غضون 6 أعوام فقط، رغم أنه يستغرق عقدين من الزمان في الدول الغربية ذات التقاليد الراسخة في مجال الصناعة النووية. المولد والنشأة الأول من أبريل 1936: ولد عبد القدير خان في "بهوبال" بالهند أثناء فترة الاحتلال البريطاني وقبل انفصال باكستان عن الهند. نشأ في أسرة متدينة، وكان والده عبد الغفور خان مدرسا تقاعد عام 1935، وتفرغ لتربية ورعاية أسرته. لا يصغره سوى أخت واحدة من بين 5 من الإخوة واثنتين من الأخوات. كانت زليخة بيجوم والدة خان سيدة تقية تلتزم بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأردية والفارسية، لذلك نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينا ملتزما بصلواته. تخرج عبد القدير خان في مدرسة الحامدية الثانوية ببهوبال. عام 1952: هرب مع عائلته إلى باكستان بعد التقسيم (عام 1948). عام 1957: توفي والده في بهوبال، حيث إنه لم يهاجر مع أبنائه إلى باكستان. عام 1960: تخرج من كلية "ديارام جيته" للعلوم بجامعة "كراتشي" (Karachi). عمل مفتشا للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك. رفض أن يحصل على وظيفة حكومية جديدة مقابل دعوة مدير العمل الجديد على الطعام. الهجرة إلى أوروبا هاجر عبد القدير إلى الخارج ليدرس الماجستير والدكتوراه في ألمانيا وبلجيكا على الترتيب. قضى بجامعة برلين التقنية سنتين في التدريب. تزوج من الآنسة هني الهولندية -ذات الأصل الأفريقي- حيث التقى بها من قبل في ألمانيا. عام 1967: التحق بجامعة "دلفت" (Delft) التكنولوجية بهولندا ونال منها درجة الماجستير. عام 1972: حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة من الجامعة الكاثوليكية في "لوفين" ببلجيكا. اشتغل بعد حصوله على الدكتوراه كبيرا لخبراء المعادن في شركة "إف دي أو" (FDO) الهندسية الهولندية، التي كانت وقتها على صلة وثيقة بمنظمة "اليورنكو" (Urenco) المهتمة بتخصيب اليورانيوم. النادي النووي 18 مايو 1974: فجرت الهند قنبلتها النووية الأولى، فبدأ خان وهو في هولندا يبحث عن وسيلة لمساعدة بلاده على اكتساب قدرات مماثلة لغريمتها الهند. غشت 1974: أبدى رئيس الوزراء حينها ذو الفقار علي بوتو اهتمامه برسالة أرسلها له خان يعرض عليه فكرة مشروع نووي باكستاني لتحقيق توازن مع الهند في المنطقة. عام 1975: استدعى بوتو المهندسَ عبد القدير من هولندا ليسند إليه رئاسة برنامج باكستان النووي. خريف عام 1974: بدأ خان ينسخ سرّا تصاميم لأجهزة الطرد المركزي ويجمع قائمة بالشركات التي يمكن أن تزود باكستان بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب للأسلحة النووية. منتصف عام 1975: رصدت شرطة الأمن الهولندية اجتماعا بين خان ودبلوماسي باكستاني كان يشتبه في أنه يسعى للحصول على تكنولوجيا نووية. أعربت الشرطة الهولندية وقتها عن اعتقادها بأن لديها أدلة كافية لاعتقال خان، لكن بعد التشاور مع كبار المسؤولين الحكوميين الهولنديين ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، قرروا إبقاءه تحت المراقبة على أمل معرفة المزيد عن شبكة باكستان لتهريب الأسلحة النووية. ديسمبر 1975: غادر خان وعائلته هولندا إلى باكستان. عام 1976: انطلق البرنامج على يد عبد القدير فأنشأ في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة راولبندي معامل هندسية للبحوث. كانت بداية شبكة خان قد انطلقت مع عدد قليل من الشركات في سويسراوألمانيا والتي كانت على استعداد لاستغلال الضوابط الضعيفة على التصدير. طور خان علاقات قوية مع المهندسين وخبراء آخرين في ألمانياوهولنداوسويسرا والمملكة المتحدة. بعد ذلك بفترة غير طويلة، بدأ خان بتصنيع المكونات في مصانع ماليزيا وجنوب أفريقيا، واستخدم إمارة دبي كمركز لشحنها. عقوبات اقتصادية على باكستان السادس من أبريل 1979: فرض الرئيس الأميركي جيمي كارتر عقوبات اقتصادية على باكستان في محاولة لوقف تقدمها النووي، كما استخدمت إدارة كارتر نفوذها لحجب القروض عن باكستان من البنك الدولي وقامت بالضغط على فرنسا وغيرها لوقف بيع المواد النووية إلى إسلام آباد. عام 1981: سميت تلك المعامل ب"معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث" تثمينا لجهوده البحثية. ساعده كتمانه الشديد على نجاح مشروع إنشاء القنبلة النووية الباكستانية كما ساعدته علاقاته بالشركات الغربية ذات الصلة بميدان التخصيب وبناء آلات الطرد المركزي على أن يشتري ما يعينه على بناء مختبراته وعلى تطوير بحوثه. عام 1986: حشدت الهند قواتها على الحدود مع باكستان فأوعزت إسلام آباد إلى شخصية اجتماعية بارزة فيها بأن يشير في الصحافة إلى امتلاك بلاده لقدرات نووية فائقة وقابلة للاستخدام العسكري، ثم عقدت له محاكمة صورية علنية متهمة إياه بتسريب أسرار عسكرية خطيرة. سبتمبر 1986: حدث أول تفجير نووي باكستاني تحت سطح الأرض في الفترة ما بين 18 و21 سبتمبر من العام ذاته. "أبو القنبلة الذرية الإسلامية" أطلقت عليه الصحافة لقب "أبو القنبلة الذرية الإسلامية"، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، خاصة مع المجهودات الخيرية التي كان يقوم بها مثل إنشاء العديد من المدارس، وحملته لمكافحة الأميّة. أقامت هولندا دعوى على عبد القدير خان تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية، وهو أمر نفاه خان وفندته حكومة إسلام آباد، وأسقطت التهمة محكمة أمستردام العليا بعد ذلك. عام 1987: خان أجرى أوّل اتصال له مع إيران للمساعدة في بناء أول منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز بمحافظة أصفهان وسط إيران. عام 1989: بدأ خان وشبكته يزودان برنامج إيران المنشأ حديثا بالتكنولوجيا النووية. عام 1993: زار خان رئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو (اغتيلت عام 2007) و طلب منها القيام برحلة جانبية إلى كوريا الشمالية خلال زيارتها الرسمية للصين عام 1994. خان قال لبوتو إنه يريد الحصول على مساعدة كوريا الشمالية من أجل صاروخ كان يطوّره ليصبح قادرا على حمل رؤوس نووية ووافقت بوتو على طلبه رغبة منها في تحسين علاقتها مع الجيش الباكستاني. خلال منتصف التسعينيات لاحظت المخابرات الأميركية أن خان قام ب13 رحلة إلى كوريا الشمالية، وفي معظمها كان يحمل معه شحنات على متن طائرات عسكرية باكستانية. سلم خان إيران أكثر من ألفي مكوّن وقطعة تعود الى أجهزة الطرد المركزي لإثراء اليورانيوم، وهو تدفق استمر حتى منتصف التسعينيات. تسريب أسرار نووية أكتوبر عام 2003: ضبط خفر السواحل الإيطالي سفينة شحن متجهة إلى ليبيا، تحوي معدات لا تستعمل إلا في صنع سلاح نووي، وأعلن أن وراء ذلك شبكة دولية تتحرك في محاور معينة عبر العالَم، ويقودها العالِم النووي عبد القدير خان. ديسمبر 2003: استجواب عبد القدير خان وبعض علماء الذرة الباكستانيين من طرف الأمن الباكستاني بشأن احتمال وجود علاقة بين البرنامجين النوويين في باكستان وإيران، وتسريب أسرار نووية إلى دول مثل ليبيا وكوريا الشمالية. لم تتنبّه الولاياتالمتحدة طوال التسعينيات لعمليات التهريب التي أدارها خان، فركّزت تحقيقاتها على إمكانية قيام روسيا بتزويد الأسرار النووية لإيران. الرابع من فبراير 2004: في خضم تلك الأزمة، ظهر العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية لدول أخرى نافيا أي مسؤولية عن حكومة بلاده، وقد أعلن مجلس الوزراء الباكستاني لاحقا العفو عن عبد القدير خان في ظل التضامن الشعبي الكبير مع من يُنظر إليه محليا على أنه بطل قومي. الخامس من فبراير 2004: أصدر الرئيس برويز مشرف عفوا عن خان الذي يعتبر بطلا قوميا في باكستان، ووضع منذ ذلك الحين قيد الإقامة الجبرية في إسلام آباد. رفض الرئيس برويز مشرّف السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أي شخص بمقابلة خان بعد اعترافه، ومنعه من مغادرة باكستان خوفا من أن يتم القبض عليه واستجوابه. عام 2005: في مقابلة مع وكالة "كيودو" (Kyodo) اليابانية اتهم مشرف المهندسَ خان بإرسال عدد غير محدد من أجهزة الطرد المركزي إلى كوريا الشمالية من دون أن يشير إلى موعد إرسال الشحنة. سرطان البروستاتا 22 غشت 2006: أعلنت السلطات الباكستانية أن خان يعاني من سرطان في البروستاتا وأنه تحت العلاج. التاسع من سبتمبر 2006: أجريت له عملية استئصال الورم في مستشفى بكراتشي وقال الأطباء إن العملية قد نجحت. فبراير 2008: أقنعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية -بمساعدة من المدعي العام آنذاك ألبرتو غونزاليس ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس- الحكومةَ السويسرية بتدمير مجموعة هائلة من الوثائق والمخطّطات الرقمية المصادرة من 3 من شركاء خان في سويسرا. تضمنت المواد هذه خارطة طريق للمشاركين في شبكة خان وجردا للتكنولوجيا المتداولة في السوق السوداء، بما في ذلك تصاميم الأسلحة المتقدمة. كانت وكالة المخابرات المركزية تحاول حماية الشركاء الذين كانوا قد تلقوا 10 ملايين دولار لقاء الإبلاغ عن خان قرب نهاية عملياته. الخامس من مارس 2008: نقل خان لمستشفى إسلام آباد وهو يعاني من انخفاض في الضغط وارتفاع في درجة الحرارة نتيجة إصابته بالتهاب. التاسع من مارس 2008: تحسن خان وسمح له بالخروج من المستشفى. الخامس من يونيو 2008: تراجع خان عن اعترافه السابق بمساعدة إيرانوكوريا الشمالية في تدشين برنامجهما النووي مكتفيا بالإشارة إلى أنه أرشد هذه الدول إلى الشركات الأوروبية التي يمكن أن تمدهم بالتكنولوجيا اللازمة للمشاريع النووية، وأنه تعرض في 2004 لضغوط دفعته إلى الاعتراف بما لم يقترفه. اغتيال بينظير بوتو 4 يوليوز 2008: صرح خان لوكالتي "أسوشيتد برس" (Associated Press) و"كيودو" اليابانية للأنباء أن كوريا الشمالية استلمت أجهزة طرد مركزية مستعملة من باكستان عام 2000 بعد استلام الرئيس مشرّف للسلطة، مشيرا إلى أن الشحنة أرسلت على متن طائرة كورية شمالية تحت مراقبة الجيش الباكستاني. وصرح خان بأن الرئيس مشرف كان على علم بكل ما كان يحدث وأن له دور بارز في شبكة نشر الأسلحة النووية وأنه كان مجرد كبش فداء. وأكّد خان ارتباط اغتيال "بينظير بوتو" بإعلانها فتح التحقيقات الدولية حول المافيا الدولية التي تدير الشبكة السرية الخاصة بتهريب الأسرار النووية دوليا. وقال خان إنه لا يعترف بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وإنه ليس ملزما للمثول أمامها، وقال إنها ليست وكالة دولية، بل وكالة أميركية صهيونية. وكشف أيضا أن الجهات التي تقف وراء اغتيال بينظير بوتو هي التي تسعى لاغتياله هو الآخر. الخامس من يوليوز 2008: أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية أن ملف العالم النووي عبد القدير خان أغلق وأنه لا حاجة لإعادة فتحه من جديد. السادس من فبراير 2009: أفرج عن خان بعد 5 سنوات قضاها تحت الإقامة الجبرية. عام 2009: قال خان -خلال مقابلة تلفزيونية- إن الحرب السوفياتية الأفغانية "وفرت لنا مساحة لتعزيز قدراتنا النووية. فنظرا للضغوط الأميركية والأوروبية على برنامجنا، يصح القول إنه لو لم تحدث الحرب الأفغانية في ذلك الوقت، فإننا كنا لن نتمكن من صنع القنبلة في وقت مبكر كما فعلنا". عام 2013: حصلت الولاياتالمتحدة على دليل قاطع على أنشطة خان بعد أن اعترضت البحرية الأميركية سفينة كانت تحمل مواد نووية من أحد مصانع خان متجهة إلى ليبيا. المؤلفات والجوائز عام 1981: نشر عبد القدير كتاب "القنبلة الإسلامية" بالإنجليزية، كما نشر حوالي 150 بحثا علميا في مجلات علمية عالمية. حصل عبد القدير خان على 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات مختلفة. عام 1989: مُنح وسام "هلال الامتياز". عام 1996: حصل على "نيشان الامتياز" وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان. عام 2003: أعلنته جامعة "سير سيد" (Sir Syed) للهندسة والتكنولوجيا "خريجا متميزا" اعترافا ب"خدماته الجليلة ومساهماته القيمة في البحث العلمي وتطبيقاته العملية المفيدة للبشرية". وفاته أدخل خان إلى المستشفى العسكري بعد إصابته بفيروس كورونا، ثم نُقل إلى منزله بعد تحسن حالته الصحية، لكن حالته تدهورت فجأة ليلة الأحد العاشر من أكتوبر 2021، وتوفي في أحد مستشفيات العاصمة إسلام آباد. المصدر: الجزيرة.