مصطفى مشرفة وسمير موسى وسعيد سيد بدير ونبيل القليني ثم يحيي المشد… ،أسماء،لأشهر علماء الذرة العرب، الذين اغتالتهم أيادي الموساد الاسرائلية،أغلبهم بالمناسبة من جنسية مصرية.أعلام، ليست معروفة لدى الأوساط العمومية،بل ربما شكلت جريمة القتل بداية تداولها إعلاميا،فكانت مناسبة كي تخرج الصحافة هذا العالم أو ذاك، من عتمة النخبوية الخاصة جدا،للدهاليز المختبرية،فتصيره قضية رأي عام، تكتسي مطلقا بعدا قوميا،مادام الأمر يدخل في بوتقة صراع سياسي مع الكيان الاسرائلي. غير أن العالِم الفيزيائي عبد القدير خان،ملهم المشروع النووي الباكستاني،سيشكل استثناء بكل المقاييس قياسا للأجواء التي أحاطت بباقي نظرائه المصريين أو العراقيين:هو علم معروف جدا بما في ذلك عند الأوساط الشعبية،لاسيما داخل بلده، حيث يعتبر بطلا وطنيا، يحظى بتقدير ورمزية كبيرين،لأنه الرجل الذي حقق لشعبه منجزا علميا هائلا،استطاعت باكستان بفضل مجهوداته العلمية،ولوج نادي الأمم القوية المالكة لسلاح الردع ،محققة قبل كل شيء التوازن الجيواستراتجي،مع عدوها اللدود، الجارة الهند.أيضا،عبد القدير خان،هو أكثر العلماء إثارة للجدل واللغط في الساحة الدولية،جراء اتهامه بالاتجار النووي.صاحب آراء سياسية جريئة،لا يتواني عن الجهر بها،متخلصا في سبيل تأكيدها من كسوة الفيزيائي، ماسكا بقلم المحلل الأيديولوجي.عالم، توجهه نزعة عقائدية تسندها مرجعيته الإسلامية وحسه القومي.أخيرا، الوحيد الذي لم يطله قانون القتل العمد كما حدث مع باقي أمثاله من الأدمغة اللامعة،وأظن بأن تفسير ذلك مرده إلى شهرته العارمة وإحاطة الباكستانيين به،لأنه بطل قومي، مما شكل ضمنيا حماية له،ثم بعد ذلك جاءت ظروف الإقامة الجبرية،التي إن مثلت حكما عقابيا، أصدره الجنرال برفيز مشرف بسبب اعترافات تلفزيونية ،فإنها عزلته إيجابا عن طوارئ العالم. اتسم، مسار المشروع النووي الباكستاني، بالإذهال !فمن كان يظن،أن باكستان بمشاكلها العميقة وضعف اقتصادها،وعدم وجود بنية صناعية لديها،بوسعها الإقدام على إجراء تجربة نووية؟لكن،هذا ماوقع، بالصوت والصورة،أواخر شهر ماي 1998،عندما بادرت إلى القيام بست تفجيرات نووية،ردا على صنيع الهند التي أجرت أواسط ماي من نفس السنة خمس تفجيرات نووية.أخبرت باكستان، القوى الدولية، خلال المناسبة ذاتها،امتلاكها لصواريخ بعيد المدى محلية الصنع يبلغ مداها 1550كلم. حلم سياسي قديم،دشن وبلور وتيرته بسرعة قياسية،الفيزيائي الشاب عبد القدير خان،الذي تعود أصوله الأسرية،وياللمفارقة العجيبة !إلى الجار المزعج الهند.فقد ولد يوم 1أبريل سنة 1936 ،بمنطقة" وبال" الهندية قبل وقوع الانفصال بين البلدين.حينما،أنهى دراسته الثانوية،سيهاجر إلى باكستان سنة1952،فتخرج من كلية العلوم بجامعة كاراتشي سنة .1960تقدم، لشغل منصب مفتش للأوزان والقياسات،وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية. كان بوسع الفيزيائي الكبير،ربط مصيره بتدرج بيروقراطي لذلك العمل،لكن حسه القيمي منعه من قبول الخضوع لعرف سائد،يكمن في رفضه توجيه دعوة رئيسه المباشر إلى وجبة غذاء،قصد إتمام أوراقه،معتبرا ذلك تصرفا يضمر نوعا من تقديم الرشوة.موقف، أجبره على الاستقالة،والسفر نحو الخارج لاستكمال دراسته،كي يحط الرحال بجامعات ألمانياوهولندا وبلجيكا،فنال الماجستير عام1967 وكذا الدكتوراه سنة 1974،فجرت الهند القنبلة النووية.أسرع،عبد القدير خان،المستقر وقتها في هولندا،كي يكتب رسالة إلى رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو،جازما له :((أنه حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة ،فيلزمها إنشاء برنامج نووي)).بعد عشرة أيام،تلقى الجواب في صيغة دعوة لزيارة باكستان والاجتماع ب بوتو.لقاء،تكرر ثانية عام 1975،فطلب منه الأخير،عدم الرجوع إلى هولندا،كي يرأس البرنامج النووي.عودة، العالِم الفيزيائي للاستقرار نهائيا في بلده،ترتب عنها اتهام السلطات الهولندية له،بعد نتائج انتهت إليها مجموعة من التحقيقات،مفادها أن عبد القدير خان نقل معلومات سرية جدا للمخابرات الباكستانية،وحكم عليه بأربع سنوات.لكن لحظة،جلسة الاستئناف،تقدم ستة أساتذة عالميين بوثائق تثبت أن تلك المعلومات عادية. لقد تماهت إرادة القائد السياسي،بعبقرية خان،فعلي بوتو الذي سيعدم شنقا بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق عام1976،بالتالي طبق في حقه ربما عمليا التهديد الصريح الذي تلقاه مباشرة من فم هنري كيسنجر :((سنجعل منك عبرة رهيبة)) ،في حالة عدم وقفه للبرنامج النووي،سيختزل بعبارته المدوية :((إننا على استعداد لأكل الأعشاب وأوراق الأشجار كي تحصل باكستان على قنبلتها)) ،كل جمرة الطموح الشاغل لهواجسه، منذ أواسط الستينات،لمّا حققت الصين أول تجربة نووية،فعبر عن قناعته بأن الهند ستمضي لامحالة، بدورها نحو الهدف ذاته. بعد فترة قصيرة،من انطلاق اشتغاله،حدس بأنه يصعب عليه تحقيق نتائج فعالة داخل سقف مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية،المحكومة بآليات التسيير الروتيني،فالتمس من علي بوتو،خلق هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي،تمنحه حرية كاملة للتصرف.هكذا،في ظرف يوم واحد،أقيمت المعامل الهندسية للبحوث في مدينة كاهوتا،ثم خلال مدة زمانية، لم تتجاوز ست سنوات ،أنشأ عبد القدير خان مفاعل كاهوتا،وضع يستغرق عادة،حتى لدى الدول الأكثر تقدما،عقدين من الزمان.فقد، تبنى عملا ثوريا، على مستوى الإدارة والأفكار والقرارات والبحوث الأساسية والتطبيقية وبناء النموذج المصغر،يقول بهذا الخصوص :((أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي،كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها،وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناء كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك.كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي،كما أن موقعه القريب نسبيا من العاصمة يسر لنا اتخاذ القرارات السريعة وتنفيذها دون عطلة.وماكان المشروع ليختفي عن العالم الغربي لولا عناية الله،ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنية المتقدمة التي لايتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم،ماكان لأحد أن يصدق أن دولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة،ستتقن هذه التقنية المتقدمة)). للإشارة،فحتى رئيسة الوزراء بنزير بوتو،لم يكن يسمح لها بزيارة مفاعل كاهوتا أو "معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث"،كما غدت التسمية منذ سنة 1981،بقرار من الرئيس ضياء الحق،تقديرا لجهود الرجل في مجال الأمن القومي. شهر فبراير2004، فاجأ خان الرأي العام ،عبر لقاء تلفيزيوني، بحقائق مثيرة أقر فيها بمسؤوليته عن إتمام صفقات لنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى،بدا جليا فيما بعد، أنها العراق وليبيا وإيران وكوريا الشمالية.اعتراف،من هذا النوع لأبي القنبلة الذرية الإسلامية،كما هو لقبه،أجاز رسميا للمتلصصين على دقائق يومياته،وفي طليعتهم حتما أمريكا وإسرائيل والهند،أن يجعلوا من خان متهما مطلوبا رأسه. وُضع رهن الإقامة الجبرية،بحيث لايمكنه الالتقاء بأقاربه إلا بعد حصوله على تصريح أمني،ومنع من إجراء مقابلات إعلامية،كما اضطره قرار الجنرال برفيز مشرف إلى مغادرة العمل البحثي داخل المفاعل والتحول نحو منصب مستشار علمي للحكومة.تخبرنا بعض الكواليس،بأن مشرف لم يوافق على اعتقال خان إلا بعد عقده لصفقة مع الأمريكيين،أهم بنودها بقاؤه في الحكم ببذلته العسكرية وعدم التعرض لسمعة جنرالات الجيش الباكستاني المتورطين في التجارة النووية غير القانونية،مع وصل كل خيوط ماعرف ب"شبكة خان النووية"،بشخصية خان وحده دون غيره من كبار المسئولين العسكريين. سنة2008 ،عاود خان الكرّة، نافيا تسريبه لأي معلومات نووية إلى إيران وليبيا،مكتفيا فقط بإرشادهما صوب الشركات الأوروبية التي بوسعها تزويدهما بالتكنولوجيا اللازمة.يوم 6فبراير2009،أعلنت السلطات نهاية فترة الإقامة الجبرية التي خضع لها العالِم الفذ،وبأنه صار مواطنا حرا،غير أن الارتياب الاسرائلي والأمريكي،لن ينتهي أبدا عن ملاحقته… عبد القدير خان، البالغ من العمر حاليا71سنة،المشرف على برنامج بلده النووي لأكثر من ثلاثة عقود،الملهم لتركة تضم حوالي ستة آلاف خبير نووي،الذي لايعترف بالوكالة الدولية للطاقة الذرية،متهما إياها بأنها مجرد وكالة أمريكية صهيونية. أقول، بأنه يجسد إلى جانب الشاعر محمد إقبال صاحب فكرة إنشاء باكستان،ومحمد علي جناح القائد المبلورللمشروع،ثلاث أساطير تمشي فوق الأرض.