قد تكونُ الفرحة التي تقتلعها مِن قلب إنسان في لحظات شعوره بالسّعادة، هي كلّ ما تبقّى له من لحظات، ومن لذّات عيشٍ هنيء، وكلّ ما يملِكه مِن أحلامه ومسرّاته الجميلة .. فتحرَّر مِن رفع مِنجلك الذي يلازمك في كلّ الفصول؛ فقد تحصُدُ به يومًا حتى أحلامَك، وأفراحَك، وأعيادَك.. وقد تقتلع به أشخاصا لا يمكن أن تعوّضهم أو تزرع أشباههم ونظائرهم في قلبك .. ولا تَزْرَعِ الشَّوك والقذى في حدائق الطّامحين، فتَقطع براعم أحلامهم قبل أن تزهر على أغصانها، وتطفئ شموع أفراحهم وقناديل آمالهم قبل أن تشرِق وتتوهَّج في سمائها وتنتشر في آفاق أكوانها .. وكُنْ انتفاضةً حرَّة تبعث الحبّ في رُفات القلوب المنكسرة، وتغرّد معها شادِيًا على جذع بلبالها، وأغصان أشجارها، وفي أحضان أعشاشها : دَعْنا أيُّها الحبُّ العَذْب الرَّقْراق نُبْطِئ المَسيرَ العَجول .. ونشْدو لساعاتٍ معًا على الجذوع والغُصون .. ونَرْسُم بخِضابِ الحنَّاء على الحيطان والشّقوق والسّطور .. لنوقِظ السرَّ المَكْنونَ في الرّسوم والخطوط والنُّقوش .. ونغازِل في المساءِ وجْهَ القمَر، كي يُشْرِقَ البَياضُ والنُّور .. ويَنْزاحَ الظَّلام عن رُفاتِ القلوب، وسراديب الصّدور .. وتَسْتَحِمَّ العَبراتُ والنَّظراتُ، والكلمات والجُفون .. .. دَعْنا نرتدي الصَّمتَ طويلاً لساعاتٍ معًا في سكون .. نُلوِّن مِعْطفَ اللَّيلِ بزُرْقَةِ الجداول، والسّواقي والعيون .. ونغوص في بركة أحلامنا، وعبير أفراحنا منها تضوع .. .. دَعْنا نَهْدَأ من الثرثرة والصّراخ، وعبثِ الضَّجيج حين يثور .. ومن ارْتِجاف الخوف المُلْتاع في مضايق العُروق .. كي يذوب فينا القهر، كما ذُبْنا من صمتِنا الَمكْدود .. ويذوبَ مِلْحُ مَدامعِنا، ولا تغور فينا الجروح .. ولا تهيج فينا البُحور، وتُجْبَر الكسور .. .. دَعْنا نَرْتَع وسط رُبوعِ أفكارنا ونصول .. ولا تَنْخَسِف شموسنا، و تَنْحَسِر داخل الرّؤوس .. ودَعْنا نُصْغي لساعاتٍ معًا لصوتنا الصَّدوح .. ونَرْشف الرَّحيقَ من أكفِّ حروفنا .. ونَقْطِف الضّمات واللّثمات من الزُّهور .. كي يطيبَ جُرْحُنا الرَّعون في النُّحور .. وتُشَعْشع ثُرَيَّاتُ مسَرّاتنا ساطعةً كما النُّجوم .. ونثور على ما في الحياة من رشَقاتِ الضّيْم والشُّجون .. وننْتَفِض على سِهام الغَدْر والدَّمِ المَسْفوح .. فقد فاضَت كؤوس انْتِحابِنا، وسكرنا من جَمراتِ السُّموم .. .. دَعْنا نتنفَّس سُلافَ الحياة مِلْأَ قلوبنا ومِلْأ الرُّوح .. بلا اخْتِناقٍ يهيِّجُ دَيْجورَ الفؤادِ ويوغِرُ الصُّدور .. وبلا عَرَقٍ يتصبَّبُ من جبينِ المَنون .. فتُغْرِقُنا الهموم في أَجْوافِ الأرضِ والسُّهوب .. .. دَعْنا نضحك لساعاتٍ معًا .. بلا دمعاتٍ توقِظ في فصولنا شهقاتِ البؤس والنُّوح .. وتوقظ صرخاتِ الثَّكالى بين الضُّلوع .. فقد سَئِمْنا الشُّحوبَ والذُّبول .. ونكباتِ الفراق والغياب والوداع وسوء الظُّنون .. وبَطْشَ السّقام والجروح .. .. دَعْنا أيُّها الحبُّ العَذْب الرَّقْراق نُبْطِئ المَسيرَ العَجول .. ونَنتصِبُ في اعْتِزازٍ، وقمم هاماتنا الشُّموخ .. ونوقِدُ شموع الرَّجاء قبل الرَّحيل والغروب ..