هوية بريس – ذ.إدريس كرم ملخص: يبين هذا الموضوع الرفض الذي لاقته معاهدة لالة مغنية 1854 لتحديد الحدود بين المغرب والجزائر، حاكم الجزائر وضباطه رأوها في صالح المغرب بعدما تم تقييد حركتهم جنوب فكيك، وحرمهم من الصحراء، والسلطان رفضها لأنها أدخلت بعض المناطق تحت الحكم الفرنسي، وكانت هذه المعركة وما سبقها وتلاها نتيجة لذلك. كلمات مفاتيح: ثنية الساسيي، حق المتابعة، التحرك الفرنسي مرفوض لسمته المعادية للإسلام، تنصيب ليوطي وترقيته لتجاوز المعاهدة في 1903. النص: تهدئة جنوبوهران: أكثر الرحل المكونين (دوي امنيع) كانوا يسكنون في سوس، أصاب ناحيتهم في بعض السنين جفاف حاد، فتشتتوا بقطعانهم عن السهول القاحلة التي كنوا بها، وابتعدت فخْدَة منهم عن القبيلة الكبيرة، بحثا عن مراع جديدة، معتمدين على حاسة الشم عند الأبل للخضرة التي يحملها النسيم، إلى أن هرب قطيع إبل الفخذة بالكامل فجأة، ولم يعد للمضارب، فبدأ البحث عنه، وبعد أيام عثر على الحيوانات شبعى، ومستلقية هنا وهناك، في وِهَاد ومرتفعات خصبة، ذات مياه وظلال، كان ذلك هو واد كِيرْ، الذي ترك فيضانه الأخير، منطقة شاسعة خصبة، أحسن من تلك الصحراء التي كانوا يعيشون بها، فاستقروا بهذه، وبعثوا يستقدمون قبيلتهم، طاردين الرحل الأجانب عن غير قبيلتهم الذين كانوا من قبلهم بالمنطقة. ولأنهم كُثْرُ، أقوياء، شجعان، سرعان ما تحولوا لرعب وترويع للدواوير المجاورة، متحالفين مع قبائل أبعد إلى الشرق، اولاد جرير، وبني كيل، فامتلكوا كل الصحراء الغربية، وقد أحدثت جماعاتهم المسلحة المزعجة، عدة اضرار بأسواق جنوب عمالة وهران، والقوافل الواردة والصادرة منها وإليها، المسيرة من قبل الفرنسيين المتواجدين في الأماكن المستعمرة حديثا من قبل الفرنسيين، نتيجة عمليات سلب ونهب ممتلكات وقطعان الخاضعين لنا من الأهالي، لزم علينا توفير الحماية لسكان الواحات الصحراوية المحتلة ونواحيها من هجمات النُّهاب القادمين من الغرب، والمحددة بواد الززفانة، وما كان يسمى وقتها بالجنوب، أو جناح جنوبوهران، هذا الاحتلال تم في 1900 بإنشاء عدة مراكز بدِفْرِيِي، واجنان الدار، وتاجيت، وإيكلي. لقد تمركزت القوات الفرنسية أولا في واحات تيدكيلت وتوات، ثم في نواحي، ززفانة المحاذية للمغرب، التي تَأكَّد بأنها قضية تحظى باهتمام كبيرة من بلاط سلطان المغرب، كما حظيت بعناية ممثلي القوى الأجنبية خاصة انجلترا. والحقيقة أن المناطق الصحراوية التي احتلتها فرنسا للتَّو، كانت أبعد من أن تكون ذات أهمية كبيرة للسلطات الشريفة، على الرغم من كون هذه الأخيرة، كانت ممثلة هناك بمندوب، بباشا، تكاد سلطته أن تكون منعدمة. لكن السلطان لم يكن يخلوا باله من التخوف على سلامة إمبراطورتيه من توسع منطقة نفوذ فرنسا، باتجاه الجنوب الغربي. كانت معاهدة لالة مغنية المؤرخة في 18 مارس 1845 قد جعلت بالفعل حدا بين البلدين من البحر إلى شمال فجيج، لكن في الجنوب، تم تحديد سيادة فرنسا والمغرب على الصحراء بعبارات غامضة "الأرض التي لا تحرث تُستخدم كمراعي لعرب الإمبراطوريتين الذين يأتون للتخييم هناك، حيث الرعي والماء المحتاج له من قبلهم، تمارس الإمبراطوريتين، كما يحلو لهما الحقوق الكاملة على رعاياهما في الصحراء" * " (المترجم: تنص المعاهدة؛ 1- الحدود التي كانت في السابق بين المغرب وتركيا ستبقى كما هي بين الجزائر والمغرب. 2- عدم دقة التحديد في المعاهدة أدى لاستمرار الحوادث الحدودية مع القبائل المغربية في واد كير، خاصة منذ عام 1899 وهو عام بداية احتلال الواحات الصحراوية، قبل تهدئة التخوم الجزائرية المغربية). كان على الجيش الأجنبي الثاني، دفع جنوده للجنوب، لإعلان حضوره في واحات العرق الكبير، لمشاركة كلون كورارا، في منع الساكنة المحليين الذي تمَّ إخضاعهم للنفوذ الفرنسي من العودة للتمرد والعصيان، استجابة لنداء بربر وَاد كِير. أدت المفاوضات بين الممثل الشريفي وممثل الشؤون الفرنسية بطنجة، لتوقيع بروتوكول باريس في 20 يوليوز 1901، وقد حسم هذا الاتفاق، في وضع قبيلتي اولاد جرير، ودوي امنيع، تاركا للبلدين فرص البحث في مبادرة اتفاق مرض للطرفين، لإنهاء الحوادث المحلية. في السنة الموالية 1902 قامت بعثة فرنسية مغربية، برئاسة كل من الجنرال كانشميز والفقيه السي محمد الكباص، بزيارة منطقة التخوم لدراسة تطبيق البرتوكول السابق، وتحديد أحكام الاتفاقات التكميلية له ما بين 20 إبريل و7 مايو 1902 حيث تم فيه تحديد شروط سياسة الارتباط بالإمبراطورية الشريفة المتعلقة بالعمليات الشُّرَطِية والأسواق، والديوانة، في الجنوبالوهراني، وقد تركت هذه الإجراءات انتقادات شديدة في الواقع. إلا أنها وضعت الأسس، لترسيم حدود في المستقبل حيث تم تحديد خط بين البلدين يمتد من أقصى أراضي فكيك، إلى نقطة تقع على بعد حوالي خمسة عشر كلم شمال إيغلي مستعيرا الضفة الغربية لواد كير. أدى هذا البرتوكول لمنع أي توسع للحدود وإبقاء القوات الفرنسية في المواقع التي احتلتها، لكن لا يمكن إنكار أن النتائج الفورية للاتفاق الفرنسي المغربي، لم تكن مواتية للتهدئة، لذلك ظلت تلك الأحكام حبرا على ورق، بالنسبة للقبائل المحاربة على التخوم المغربية الجزائرية، التي بقيت رافضة استبدال استقلالها المضطرب بسلام حماية فرنسية. وهكذا استمر التحرش بالمراكز والقوافل التموينية للمراكز الفرنسية، وتكبيدها خسائر في الأموال والرجال والأحمال، ونهب قطعان القبائل الخاضعة لتلك المراكز ومهاجمتها، في كل وقت وحين. في سنة 1902 تم مقتل القبطانين جراتان وكريستيان من الفيلق الأجنبي الأول، قرب دوفييري، وحراسهما من قبل عدد من القتلة الذين نهبوا عدد من الجمال بقوة السلاح في واد ززفانة. ابتداء من سنة 1903 صارت هجمات النهاب المغاربة في تصاعد مقلق، ففي 19 و29 مارس 1903 وقعت مواجهتين قويتين حول قصر الزوج شمال جبل معاريف، وفي جبل بشار، بين فصيلة من سرية الفيلق الثاني الأجنبي المحمول و 150 بربري انتهتا بفرار البرابر، وفي 6 ماي من نفس السنة، قام حوالي 1500 بربري، بينهم 600 فارس، من اولاد جرير، وبني كيل، بالاستيلاء على مئات الجمال، بمنخفض حاسي بوعمامة. في 13 ماي اختفى 47 جمل بواد الرميل على بعد 7 كلم من مركز حجرة امكيل، ولم يمر أسبوع دون التبليغ عن هجمات لغزو أودية الززفانة، والساورة، التي سارت مسرحا لنهبهم. في هذه الأثناء واصلت أيضا جماعات صغيرة من خمسين رجلا أو يزيد، الانتشار والتفرق بسهولة -على شكل وحدات أصغر متضامنة- في فضاء لحْماد الشاسع، ثم التلاقي في مكان يتعارفون عليه . لقد جعل نجاح هذه العمليات الجريئة مرابطي البرابر، أكثر جرأة وتعصبا، ولم يعودوا يترددون في تنظيم هجمات أخرى أكثر خطورة. لقد عاني الحاكم العام للجزائر جونار، من الصدمة الأولى لهذا التطور، ورغبة منه في وضع أنسب الإجراءات الفورية لمعالجة ذلك الوضع المقلق، المفروض على القوات الفرنسية، قرر إرسال قواته لجنوبوهران، بعدما التقى العامل الممثل لسلطان المغرب في 31 ماي 1903 وعنما كان خفره يستعد لدخول قصور فكيك، اشتبك معهم سكان قرية ازناكه أهم مكون للكونفدرالية في معركة دارت وجها لوجه خلفت 13 جنديا جريحا من اللفيف الأجنبي. كان لا بد من اتخاذ إجراء عقابي لمقترفي هذا الفعل، البالغ الإهانة الموجه لأرفع ممثل لفرنسا، حتى لا يتركوا دون قصاص، لذلك تمت المطالبة من الحكومة الفرنسية الإذن بالتعجيل بذلك فوافقت، بشرط عدم الدخول للقصور، حيث كان ممثل سلطان المغرب ما يزال متواجدا هناك، فشُرع في قصف ازناكة وتم رفض منح الأمان لسكان فكيك، قبل انهاء عملية الانتقام المقررة، للحفاظ على هيبة فرنسا، إلا أن ذلك الأمان المطلوب لم يبذل لسكان الواحة، لأن الرحل الذين كوَّنوا الحركة، تجنبوا العملية العقابية بمهارة، وبفضل انتشائهم بالبارود، لم يتأخروا في معاودة الهجوم، بشكل أعنف من السابق للتأكيد على معاداتهم للحضور الفرنسي. وذلك بعد 13 يوما، أي في 12 يونيو 1903 تقدم كولون بقيادة الكولونيل ديو، حتى وصل قصرا، يسمى بشار، واحتله بسهولة من قبل رئيس مركز تجيت، إلا أنه قام بمغادرته تطبيقا لتوجيهات الحكومة. في 16 يوليوز 1903 قامت مجموعة من 250 بربري بنصب كمين غير متوقع لإسقاط مفرزة مكونة من خمسين مهاريس (سائقا للجمال) تابع لشركة توات الصحراوية بأدرار، وهي ترعى في حاسي رزال، بوادي الساورة، وقد تمكن ضابط الصف وقائد المفرزة من النجاة، بعد ما فقد 22 رجلا، في هذه المعركة، وقد استطاع رئيس ملحقة بني عباس ملاحقة المهاجمين، انتقاما للمفرزة السابق ومهاجمتها لغاية النخيلة، قرب تابلبالت، في 25 يوليوز مصحوبا ب40 مهاريس من تيميمون و40 من مخازنيته، فقتل 20 مهاجما، وفر الباقي. بالرغم من هذا الانتقام الفعال، كان لتأخير القوات في الاستفادة من حق المتابعة داخل المغرب، تطبيقا للاتفاق الجديد، جعلت الأهالي العصاة يفسرونه على أنه دليل ضعف للقوات الفرنسية، التي يسهل اختراق أماكن تواجدها، وهو ما كان يتم تعمده، وخاصة في عملية تاجيت الواقعة بعد شهر، والتي كشفت عن تاكتيك جديد للبرابرة، في نفس الوقت الذي جمدت اتفاقيات 1901-1902 حركة القوات الفرنسية، أمام حدود غير معروفة، يجعل أمر اختراقها من الناحية السياسية، أصعب من اختراق أضخم الأسْوَار. مولاي مصطفى، رئيس مَتْرارا، توجه شرقا على رأس حركة قوية جدا، تضم أكثر من 4000 بربري متعصب، من كِيرْ وتافلالت، متبوعين ب5000 نفر غير مقاتل، من جميع الأعمار على استعداد لقتل، ونهب، ومحاصرة القبائل الخاضعة مؤخرا للفرنسيين، والذي يعني أنها صارت تحت الحماية البغيضة "للرُّوميين". تمت محاصرة مركز تِجِّيت، من 17 إلى 20 غشت 1903، ومحاولة اقتحام قلعته مرارا، دون نتيجة، بفضل دفاع بطولي عنها من قبل حاميتها، التي كانت تنتظر وصول تعزيزات فرنسية وشيكة، والتي ما أن وصلت حتى تخلى البرابر عن خطتهم في اقتحام الحصن، وتشتتوا في لحمادهً، بين الكثبان الرملية، على أمل انتقام وشيك لاحقا، ولم تتأخر الفرصة عن التحقق. ففي 2 شتنبر 1903 بعد أقل من 15 يوما من عملية تاجيت، قام حوالي 200 بربري بمهاجمة المنكار لاعتراض قافلة تموين هامة خرجت من جنان الدار، متجهة لتاجيت، وبني عباس، ففاجأها النهاب عند توقفها، وخاضوا معها معركة دامية كعادتهم. أثارت هذه الاعتداءات المتتالية، الرأي العام الفرنسي وُجِد صدى تأثيره في البرلمان، حيث ظهر به اتجاهان أحدهما متشائم يدعو للتخلي التام عن فكرة التغلغل في الصحراء، وآخر عكسه، ينصح بمواصلة التقدم لاحتلالها من خلال عمليات عسكرية تنهي طبيعيا بصفة نهائيا المخاوف من القوة الهائلة القادمة من المغرب. في الواقع كانت فرنسا تعاني في جنوبوهران من تأثير الدعاية المعادية للأجانب، المنتشرة بشكل دائم في الصحراء الغربية، وجنوب غرب تافلالت، المماثلة لما في واد درعة، والساقية الحمراء، وشمال الأطلس نفسه، الذي ما برح يدعى فيه للجهاد أي الحرب المقدسة والتي يمثل للمسلمين أيضا عملا يجازي الله عليه. وقد تضاعفت خطبهم بشكل عادي أثناء تقدم القوات الفرنسية، وهكذا نجحوا في حشد العديد من المحاربين من جميع الآفاق لتنفيذ رغباتهم وتطبيق مُثُلِهم. فكان على الحكومة أن تختار حلا وسطا، لا ينبغي أن يخيف الكثير من الحساسيات الدبلوماسية، بينما يجلب بعض التهدئة للاندفاع المغربي، الذي تعاني منه القبائل الجزائرية الخاضعة. لقد تقرر لذا حاكم الجزائر بضرورة وجود قائد حقيقي حازم، يمسك بمقاليد جنوبوهران، فاختار الكولونيل ليوطي الذي أبان عن كفاءة، في كل من الهند الصينية ومدغشقر، كقائد للفوج 14 فرسان، وقد تم تعيينه في القيادة المؤقتة للقوات غير المشاركة في فرقة وهران، بعين الصفرة وتمت ترقيته على الفور لرتبة جنرال في 9 أكتوبر 1903 وقد كان دائم الحضور في كل مكان وزمان، لا يكل ولا يمل، لذلك احتضن الوضع في لمحة عين، إذ لم يكن يرى إلا في المسالك والسهوب يراقب الأوضاع، على الارض ومن من خلال التقارير، وإن كان يفضل المشافهة، راميا بكل بيروقراطية عسكرية متهالكة، وتوصيات مكاتب الشؤون الأهلية، والاتصالات المعقدة، فأبدى شيوخ الجيش الإفريقي تذمرا من طريقة عمله، ولكن سرعان ما تم له احتواؤهم. لقد صرح الحاكم العام للجزائر جنار في تقرير رفعه لوزارة الشؤون الخارجية في 9 أكتوبر 1903: "يمكنني الآن إرجاع هجمات تاجيت والمنكار لطبيعتها الحقيقية، ذلك أنه صار من الثابت تماما أن الجيش الصغير الذي حاصر تاجيت، كان يتألف من غالبية بربر تافيلالت، بالنسبة لأسباب تلك الهجمات، فإن دوافعها لا يمكن البحث عنها في الصحراء، بل في نظرة الأهالي لعملياتنا التي تنم عن مسحة أجنبية ومسيحية معادية للدين الإسلامي، وهي التي تقود خصومنا. وإذا كانت هزيمتهم في "تجيت" قد محيت جزئيا، من قبل مفاجأة المنكار التي قاموا بها، فإن تعصبهم بالتأكيد لم يتناقص، إذ ما لبثت نفس القبائل بمنطقة، كير أن أعلنت عن حركات جديدة". يتبع..