هوية بريس – ذ. إدريس كرم في سنة 1836 صرح شارل ديدي بأن المغرب يجب أن يخضع للسيطرة الأوربية، كما صرح النائب الفرنسي في الجمعية العمومية، إذا كانت (الجزائر قادتنا لتونس فينبغي أن تقودنا للمغرب). وتطبيقا لذلك تمت المقياضات التالية في اتفاقيات: – الإتفاق الفرنسي الإيطالي حول المغرب وليبيا 1902. – الإتفاق الفرنسي الأنجليزي حول المغرب ومصر 1904. – مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي أطلق يد فرنسا وإسبانيا في المغرب سنة 1906. – الإتفاق الفرنسي الألماني حول المغرب والكونكو سنة 1911. كما أنه في سنة 1844، أصدر البرلمان الفرنسي قانونا يقضي بتمديد منطقة الإحتلال الفرنسي للجزائر جنوبوهران، من أجل ربط الجزائر بتمبكتو لتحويل الطرق التجارية العابرة للصحراء الكبرى الرابطة بن فاسومراكش عبر تافلالت نحو مركزي بني ونيف وبشار، كمركز تجمع للقوافل وتضريب السلع واحتكارها من قبل الفرنسيين وشركاتهم. وبما أن المواد الغذائية تحمل من الشمال للجنوب عبر تلك الطرق، فكان من اللازم احتلال السهول المحصورة بين الحدود الجزائرية وسلسلة جبال الأطلس والريف والممتدة بين البحر الأبيض المتوسط والواحات الممتدة بين أودية كير والساورة والداورة وزيز المنسابة عبر الصحراء، والسيطرة على عائداتها الضريبية التي لن تتم إلا بالسيطرة على المجال الطبيعي، مثل سهل طريفة وملوية وحوض كير، بيد أن النتائج كانت معكوسة بحيث أن ذلك التدخل القصري قضى على تلك التجارة الصحراوية، ففي سنة 1908 لم يزد عدد جمال القوافل عن عشرين ألفا بعدما كانت سنة 1881 حوالي 14914 جملا مرفوقة بحوالي 3411 رجلا، كما أن واحات اتوات استقبلت في موسم 1904-1905 حوالي 4200 مرافق ل14000 جمل و5400 شاة، ناهيك عن أحمال الجلود والسمن والعسل وحبال شعر الماعز والجمال وغيرها من السلع التي كانت تطمح الشركات الاستعمارية التفرد بها ومنعها عن المغرب، وبالرغم من ذلك فقد تم تسجيل دخول قوافل لتافلالت سنة 1906 بلغ عدد جمالها 600 جمل يقودها 250 رجلا، مما يفسر إصرار الفرنسيين على احتلالها بذرائع غير التجارة، وإنما بذريعة منع الفلاليين التعامل مع الأسواق التي أقامتها القوات الغازية حول مراكز تواجدها لتطوير احتلالها بشكل بارد، خاصة وأنها سجلت أن الفرق في الأسعار بين أسواقها وأسواق تافلات كبير مما ينفر الناس من أسواقها، فمثلا كان في موسم سنة 1905-1906 يباع حمل الثمر ب12-13 فرنك وفي بشار وفكيك ب20-25-30 فرنك، ورأس الغنم 12-15 فرنك، وفي الجزائر يصل إلى 18-20 فرنك، أما السكر فكان ب10 دورو للقنطار بتافيلات، و20-25 في بشار، وكان مالك 30 جملا يربح في العام 1500 فرنك من كراء جماله للقوافل العابرة للصحراء. وبعد احتلال بشار في 8 نونبر 1903، وعين بني مطهر في يونيو سنة 1904، ووجدة في مارس 1907، وأحفير وأغبال وبركان في دجنبر1907، وعين الصفا في دجنبر1907، وتافوغالت في 25 دجنبر 1907، من قبل قوات عسكرية جيدة التسليح بلغت 2500 عنصرا، فرضت غرامة حربية على السكان قدرت بمائة فرنك لكل عائلة، ما مجموعه ثلاثة ملايين فرنك، وتموين المراكز وإنشاء الطرق الرابطة بينها بالمجان، ومصادرة الدواب، والمواد الغذائية لصالح الجنود؛ ولما رفضت بنو يزناسن أداء الغرامة قامت القوات الغازية بمحاصرتها ودفعها نحو الجبال، ومنعها من حراثة أرضها، ورعي مواشيها وسقياها، وتعمير أسواقها، وهو ما طبق على فخدتي بني ورميش وبني اعتيق سنة 1907، حيث فرضت عليها غرامة حربية بلغت 5000 فرنك، تؤدى في ظرف خمسة عشر يوما مما يعني إفقارها. كما واصلت هجماتها على تافلالت، حيث تم احتلال بوعنان في 29 ماي 1908، بودبيب في 13و14 منه سنة 1908، ودمرت قصورها وأحرقت واحاتها، وصادرت مدخرات سكانها، ودفعتهم نحو الجبال ليتخلوا عن واحاتهم وتجارتهم، وأحلت محلهم أجانب وموالين من الخاضعين. وكانت من المباني المدمرة ادويرة السبع مقر العالم المجاهد مولاي احمد السبعي. وتوالت التوغلات شمالا وغربا وجنوبا لغاية دخول تازا سنة 1915، حيث تم ربط الجزائر بالمحيط الأطلسي بواسطة خط حديدي يصل الجزائربالدارالبيضاء، وبذلك تكون قد حققت حلم ليوطي في إقامة امبراطورية فرنسية عوضا عن الامبراطورية المغربية، التي كانت منطقة تافلالت تمثل ثلث تلك الامبراطورية بعدما لم يتم تحقيق ربط وهران بالمحيط عبر سكة الحديد العابرة للصحراء جنوب تافلالت، بفضل تصدي القبائل المغربية ونواب السلطان وأبرزهم مولاي رشيد خليفة السلطان بتافلالت، ومولاي ادريس خليفته في الساقية الحمراء وأدرار وما جاورها من القبائل التي ضمت إلى الجزائر، حيث شكلوا معيقا حقيقيا، دفع السلطات الفرنسية للتشكي منهم للسلطان، والمطالبة بعزلهم في أكثر من مرة، حيث كانت شرطا من شروط الاعتراف بالسلطان مولاي عبد الحفيظ، مع الامتناع عن مدهم بالسلاح والذخيرة والمال ورسائل الاعتراف. وفي هذا الإطار تم اتفاقا 1901 و1902 مع ممثل السلطان على الحدود والتي لم تضبط حتى يتسنى للمستعمر التلاعب في استخدامها حسب الحاجة، لدرجة أن منطقة تندوف لم تضم للمستعمرة الجزائرية إلا غداة اسقلال المغرب بحكم القوة لا بحكم القانون. لقد كانت المناطق الشرقية أول من تعرض للاحتلال قبل الدارالبيضاء والشاوية. فقد احتلت كورارا سنة 1900 واتوات سنة 1901، ودوي امنيع واولاد جرار سنة 1902، وفي سنة 1906 تم إقامة مراكز حراسة واستطلاع وتطويع على الضفة اليسرى لواد كير وتسخير دوريات استطلاع على الضفة اليمنى له تهييئا لضم الضفتين معا، ومنع السكان من الرعي والسقي والحراثة إن لم يعترفو بحكمهم، وكذلك كان الأمر بالنسبة لوادي ملوية والقبائل المتواجدة حوله، حيث عانت من غارات القوات الفرنسية، ونهبها لمواشيها وإحراقها لمساكنها، وإفراغ سهل ملوية من ساكنته، لتقديمه للمعمرين، طيلة السنوات بين 1909-1914. إن اقتطاع ثلث المغرب الذي كان يعبر عنه بمملكة تافلالت التي كانت تكون مع مراكشوفاس امبراطرية المغرب التي أرعبت الغرب الإستعماري لغاية احتلال الجزائر، وأسالت لعاب الشركات الإستعمارية التي أرادته أن يكون سلة غذاء لفرنسا كما كان سلة غذاء للرومان قبلهم، والذين اعتبروا أنفسهم ورثتهم لذلك قال ليوطي سنة 1924 في مؤتمر المعمرين بالدارالبيضاء: "علينا الاكتفاء باحتلال السهول، ودفع السكان نحو الجبال"؛ ذلك أنه كان على علم بما في تلك السهول من خيرات شاهدها عندما كان في العين الصفرة جنوبوهران، قائدا لحميتها العسكرية ومساهما في اقتطاع مملكة تافلالت من المغرب وضمها للجزائر وإفراغها من سكانها، وتقويض تجارتهم الإفريقية الصحراوية. لقد رأى كيف أن سكان حوض كير زودوا القوات الفرنسية بالجزائر سنة 1904 بحوالي عشرين ألف رأس غنم، وخمسة عشر ألف رأس من الإبل، فكيف لا يعمل على فصلها؟ وهكذا نرى أن جرائم فرنسا متنوعة لا حد لها ولا حصر، ولا يمكن تناسيها لأن نتائجها ما يزال المغرب والمغاربة يعانون من تبعاتها، وما تزال أراضيه الشرقية عند الجزائر، تشكل حاجزا في وجه تنمية المغرب العربي وتعكر صفو العلاقات بين الجيران، مما يجعلها في حد ذاتها جريمة لا يمكن أن تسقط وتنسى بالتقادم.