هوية بريس – نبيل غزال بعد "فلوغات" عرض الأطراف والأرداف والمفاتن، و"لايفات" روتيني اليومي، واختلاق الأحداث الكاذبة، والشجارات المفتعلة بين الزوجين وأفراد الأسرة لجلب المتابعين، جاء الدور هذه المرة على الموت والجنائز. حيث أقدمت يوتيوبرز وزوجتها على بث تفاصيل وفاة مولودتهم الجديدة، انطلاقا من المستشفى إلى تشييع الجنازة إلى مراسيم الدفن، وذلك بدغدغة عواطف المتابعين لجلب "اللايكات" وأرباح "الأدسنس". ولك أن تتخير أيها القارئ الكريم أن أمًّا حاملة بتوأم، تفقد أحدهما والآخر في العناية المركزة، ولها القدرة على التعبير بشكل واضح، وتسجيل اللايف والفلوغ، وزوجها يوجهها بقوله: حولي الكاميرا إلى هذا الاتجاه، لا إلى هذا الاتجاه.. أي مستوى هذا الذي وصلنا إليه! لقد انتقل اللاهثون وراء المال والشهرة، عبر اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي من المتاجرة بالجسد والمبادئ، إلى المتاجرة بكل شيء ولو كان أول منازل الآخرة. وفي ظل الفراغ الروحي والإفلاس التربوي، فإن بعض المؤثرين الذين يبحثون عن الرفع من مواردهم المالية عبر عدد المشاهدات، يمكنهم القيام بكل شيء ولو كان مخالفا للقانون والدين والقيم والأعراف. ونحن إذ نناقش هذا الموضوع؛ فلا يمكننا بحال عزله عن السياسة العمومية في عدد من القطاعات، خاصة التعليم والإعلام والشؤون الدينية، فماذا قدمنا لأبنائنا في هذه القطاعات حتى نحصنهم من الانحراف الرقمي بكل تجلياته، فمن زرع الشوك لا يجني العنب، وحال مدارسنا وإعلامنا العمومي لا يخفى على أحد، ولا أجازف إن قلت بأن الأخير يشجع على ذلك. أضف إلى هذا أن الخطاب الديني الرسمي ضعيف جدا لا يمكنه، في وضعه الحالي، الوقوف في وجه السفاهة ودعاتها، وزاد من ضعفه إقالة وتوقيف بعض الشخصيات البارزة التي يمكنها التأثير والمساهمة في التخفيف من حدة التفاهة وقوة تأثيرها في الرأي العام. إن السّلوك فرع عن القناعة، وإذا شبّ هؤلاء المؤثرون على المتعة وتشكَّل لديهم تصور مادِّي للكون والحياة الإنسان، فلن يستجيبوا للمرجية الهوياتية والقيمية والأعراف الاجتماعية؛ لأن جل تصرفاتهم حينئذ سيحكمها مطلب السوق وما يجلب الربح فقط.