هوية بريس – الأربعاء 18 نونبر 2015 الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة في العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله ربه رحمة بالإنسانية أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فلا يمكن أن يمر بنا هذا الأسبوع دون الحديث عما وقع من اعتداء عدواني سافر ليلة الجمعة الماضية من استهداف لأبرياء عزل بالعاصمة الفرنسية باريس، وخلف ما خلف من القتلى 129 قتيلا والجرحى 250 أو يزيد و99 حالاتهم وصفت بالخطيرة حسب المصادر الإعلامية الفرنسية، ناهيك عما خلفه هذا الحدث من ترويع للآمنين في المنطقة، إن لم نقل البلاد كلها واهتز لوقعها العالم بأسره، وتوالت التنديدات تلو التنديدات عن عدد من الدول والرؤساء والحكومات والهيئات مسلمة أو غير مسلمة كلهم يشجب هذا العمل الإرهابي واللإنساني، نفذته أيادي آثمة متشددة ومتشبعة بالفكر المتطرف تستبيح أعراض الناس ودماءهم بلا رادع من دين، ولا خوف من الله، وتنسب جرائمها إلى الإسلام والإسلام من أفعالهم بريء، قال تعالى " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " سورة الكهف الآية:99. وقال سبحانه: "أفمن زين له سوء عمله فرْاه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء" سورة فاطر الآية :7. هكذا لوث الشيطان أفكارهم وأفسد عليهم فطرتهم وأمات إنسانيتهم وأعمى بصائرهم فهلا تنبهوا… ينبغي أن يعلم هؤلاء وغيرهم أن ديننا الإسلامي الحنيف لا علاقة له بقتل الأبرياء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ماداموا مُسالمين بل صانها وحفظها من ذلكم قوله عليه الصلاة والسلام "ألا من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً" البخاري:3166. وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً" صحيح الجامع:7691. يبقى الإنسان مستحق لرحمة الله وعفوه ما لم يقتل نفساً معصومة وهي أربعة: دم المؤمن وهي أشدها وأعظمها ودم المعاهد ودم الذمي ودم المستأمن… فإن أزهقها فقد استحق وعيد الجبار جلا وعلا قال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" سورة المائدة الآية:33، فالقتل محرم في جميع الشرائع السماوية المنزلة من قبل الله تبارك وتعالى على الأنبياء بوحي، وشرع من قبلنا هو شرع لنا كما هو متعارف عند أهل العلم، ما لم يأت شرعنا بشيء متمم له أو ناسخ له، أو مخالفاً له…، عندها يتعين الأخذ بما وافق شرعنا، وقتل النفس البريئة ظلماً وعدوانا محرم ومُدان في شريعتنا الغراء المنزلة على سينا محمد صلى الله عليه وسلم والنصوص في هذا الباب كثيرة فالمتروك من مقالنا أكثر من المذكور. إن رسالة الإسلام الخالدة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تدعو إلى السلام والرحمة ببني الإنسان وان اختلفت الشرائع والأديان، قال له ربه الرحيم المنان: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" سورة الأنبياء الآية:106، فكان كذلك عليه الصلاة والسلام في دعوته للناس وتعامله معهم متمثلاً قول ربه جل وعلا ويقول عن نفسه: "إنما أنا رحمة مهداة " صحيح الجامع:2345. ويقول: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" مسلم:2319، ويقول: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" صحيح الجامع:7467، بل شملت رحمته الحيوان والطير أيضاً، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها" صحيح سنن أبي داود 2675. هكذا ينهى عمن فجع طيراً في أفراخه؟ فكيف بمن فجع أماً بقتل ولدها؟ وأدمى قلب ولد بفقد أبيه؟ أو إنساناً في أخيه؟ أين هم من نصوص الشريعة الإسلامية التي تدين أعمالهم الإرهابية ما جوابهم بين يدي الله تبارك وتعالى عن قتل أنفسهم يظنونها شهامة وشهادة وما هي بذاك. يقول عليه الصلاة والسلام: "من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذى عهد عهده فليس مني ولست منه" مسلم:1848. "بأي وجه سيلقى هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وقد خفروا عهد أمته أمة الدعوة والإجابة وانتهكوا حرمتها. إن هذه النصوص الشرعية المتضافرة تدين أشكال التطرف كافة، وتؤكد مناقضته للدين الحنيف، وتبين أن الشريعة الإسلامية ترفض الإرهاب جملة وتفصيلا، بل وتحاربه وتأمر بالتصدي له بكل الوسائل المشروعة حتى يرعوي المجرمون. إن ما يقع من تشويه لديننا من قتل للأبرياء وانتهاك للإعراض، واستباحة للأموال، يحتم علينا أن نبين للعالم أجمع أن هذا مخالف لتعاليم ديننا الحنيف، ومن استقرأ نصوص الكتاب والسنة وتأمل فيها بعين البصر والبصيرة وما أشكل عليه ردّه إلى العلماء الربانيين سيدرك خطأ أولئك القوم ولا محالة في تأويلهم للنصوص في غير سياقها وليّهم لأعناقها . ولوسائل الأعلام دور كبير في تنوير الرأي العام بهذا الخطر الداهم المحدق والمتجاوز للحدود والذي لا يفرق بين مجتمع ومجتمع ولا بين ديانة وأخرى. كما أن دور الأسرة في هذا الجانب كبير تجاه أبنائهم عن طريق توجيههم وتحذيرهم من كل فكر متطرف دخيل على دينهم وقيمهم وثقافتهم وخير مُعين لهم بيوت الله عز وجل وتلقي العلم فيه على أيدي علمائها الربانيين ممن يتسمون بالوسطية والاعتدال في دعوة الناس إلى الله تبارك وتعالى حتى إذا ما أثيرت فتنة عرفنا كيف نواجهها ونَدحَض شُبُهاتها. كما يجب ملء فراغ أولادنا بما يعود عليهم بالخير والنفع في دينهم ودنياهم. وعلى الشباب والشابات أن يحذروا من الأفكار الإرهابية ممن ينشرها أو يروج لها خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي أو الشبكات الإليكترونية وألا يغتروا بالشعارات البراقة والرنّانة التي تحملها تلك الفئات المتشددة لتوظفها في غير ما أنزلت لأجله. فاللهم سلم البلدان من المفسدين وطهرها من المتطرفين. سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك.