يعتبر الخط المغربي حلقة حضارية مهمة في تاريخ الخط لدى العرب، فقد امتدت المظاهر الخطية المغربية بجمالياتها في كل الأرجاء ومنها أوربا وافريقيا، إذ لعب البلاط المغربي على مر التاريخ دورا رائدا من خلال اهتمام السلاطين والخلفاء المغاربة بصناعة الخط، ما وسع رقعة الخط المغربي وأسهم في انتشاره في مختلف المناطق، فكان له أثر إيجابي في تطوير المنظومة الخطية بالمغرب الأقصى بزينة خطية خارقة، وجماليات حروفية وزخرفية خاصة، تركت صداها في مختلف المناطق الأخرى، وخلفت رفقة الزينة المشرقية انطباعا قويا في أوربا " لقد بلغ الخط العربي من الصلاحية للزينة حدا عظيما، مما جعل رجال الفن في القرون الوسطى وفي عصر النهضة يكثرون من استنساخ ما كان يقع تحت أيديهم من قطع الكتابات العربية فيزينون بها المباني المسيحية."[1] وقد ظل الخطاط المغربي وفيا لأسلوبه الخطي يوظفه في المناحي الجمالية ويوظفه كذلك عند الحاجة في مختلف الأقطار. إن مجموعة من العوامل قد أسهمت في تشكل الخط المغربي المقيد بجماليات خاصة، ومظاهر فنية غير مألوفة، وهي تتصل بالتطور الحضاري العربي الإسلامي عموما وانعكاسه على كل الأساليب الأدبية والثقافية والفنية في منطقة الغرب الإسلامي، وتتصل بتطور الخط العربي وتفريعه إلى الخط المغربي بأنواعه المختلفة، علما بأن هذا التفريع قد اقترن بعدة مقومات ومكونات. وتتصل أيضا بظهور البديعيات في مختلف النصوص اقترانا بالمظهر الحضاري المتطور وتأثيره على مجال التقنية وعلى المجال الفني. وتتصل أخيرا بممارسة الكتابة الخطية والمحاولات التجديدية المؤطرة بالمنحى النقدي. إن المغرب قد استفرد في منجزه التقني في الخط المغربي بمميزات أثرت في مساره الفني بشكل غير مسبوق. وقد ساهم ذلك مستقبلا في صنع أنماط وتشكيلات وكتابات خاصة بالخط المغربي، لها من الجماليات ما تتعدد دلالاته ومعانيه. ونجد كذلك انعكاس التطور الحضاري على الأساليب الأدبية والثقافية حيث لعب التطور الحضاري المغربي الإسلامي دورا أساسيا في تأسيس كل مناحي الجمال في العمارة المغربية التي أخذت بعين الاعتبار مجال الجمال والتجديد من حيث التصميم والشكل والطرز، حيث تفنن المبدعون المغاربة من خلال عناصر الخط العربي والمغربي على وجه الخصوص، ومن خلال جملة من الزخارف والهندسات الفسيفسائية والفنون الأخرى أن تجعل لها طابعا جوهريا وسمة حضارية بارزة تفاعلت مع كل المناحي المعمارية بطابعها الجمالي والفني والتقني، ويتعلق بتطبيق الخط في العمارة التي استأثرت المدارس في بلاد المغرب العربي بنصيب الأسد في هذا المجال.
ولا شك أن التحول الحضاري في نمط الحياة التي نهجت مسلك الرونق والزينة والتأنق بالمغرب قد توافق مع المجال الزخرفي واتصل مباشرة بالأساليب الأدبية والثقافية والفنية، وتفاعل معها بشكل أدى إلى إبداع مسلك خطي فارقي وابتكار أشكال خطية بصرية مغربية غير مسبوقة، حيث اعتمد الشعراء والكتاب أساليب بديعة في كتاباتهم وأشعارهم في المعمار المغربي عامة استرعت الأذواق والأبصار التي دخلت مجال التحضر والاعتناء بالجماليات. وقد تم بسط مختلف الجماليات على الخط المغربي وتم إمداده بأحدث التقنيات والوسائل والإمكانيات الهائلة من تذهيب، ومداد بجودة عالية. [1] حضارة العرب، جوستاف لوبون، ترجمة أكرم زعيتر، ص 550