لا يخفى على كل حصيف ذلكم التأثير البالغ الذي تمارسه البيئة على أهلها، إذ جرى على لسان العامة والخاصة قولهم: "الإنسان ابن بيئته"، فهل للفضاء الخارجي للمدرسة سطوة على مرتاديه؟ وما معالم ذلك؟ إن الفضاء المدرسي يعني هنا تلك المؤسسات التعليمية التي تمارس التعليم والتعلم، سواء في إطاره النظامي داخل حجرات الدرس، أو بالمعنى العام سواء في ساحاتها أو باقي فضاءاتها الأخرى كالمكتبة وملاعب الرياضة والداخليات ومطاعمها…دون إغفال الفضاءات الخضراء ومداخل المؤسسة وأماكن تجمع المتعلمين قبيل ولوج المؤسسات التعليمية. نعم، لقد تعمدت توسيع مفهوم الفضاء المدرسي، نظرا للتأثير البالغ الذي يمارسه كل حيز منها على شخصية المتعلم. ولذلك سيكون الحديث في هذه التدوينة على الفضاء الخارجي، أي ما يجري بجنبات أسوار المؤسسة. لا غرو أن هذا الحيز الذي ينتظر فيه المتعلمون رنين الجرس للولوج إلى المؤسسة، تمارس فيه سلوكات أغلبها يهدم ما تريد المناهج الدراسية بناءه عبر حجرات الدرس؛ بل أضحى خطره جسيما، ولذلك وفي حديث مع بعض أرباب الأسر عن أسباب اختيار التعليم الخصوصي لأبنائهم_ وليس في هذا دعوة إلى التعليم الخصوصي بل حكي لواقع مرير_، فقد صرحوا برغبتهم في حمايتهم من الخطر المتوقع حين ينتقلون إلى المؤسسات العمومية وما يمارس بجنبات أسوارها من طوام أخلاقية، فكم تلميذ تم استقطابه لتعاطي المخدرات أو بيعها وترويجها، وكم تلميذة جالست العشيق بباب المؤسسة ففقدت احترام زملائها، ودنست شرف الأسرة، وكانت وبالا على نفسها وعلى باقي تلميذات المؤسسة ممن يسهل استدراجهن، بل وكم جمع هذا الفضاء من منحرفين يبثون انحرافاتهم وسموم جهلهم في فكر وأجساد ثلة من التلاميذ من المفروض أنهم جاءوا زرافات ووحدانا للتعلم والتربية الحسنة، فالوزارة التي ينضوون تحتها تضم بين مفرداتها مصطلح "التربية". أضف إلى ذلك، ما يتقاسمه المتعلمون ومن معهم من الغرباء على المؤسسة طيلة فترة الانتظار أمامها من تجارب وحكايات تبث سما زعافا في عضد فلذات أكبادنا، حيث يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. وكفى بالتلميح دليلا لمن لا دليل له، فكم من تصريح قاد إلى إفساد الظاهرة أكثر من علاجها، كما تفعله بعض البرامج التلفزية حين تبث حلقات عن الجريمة بتفاصيلها المملة،فيتعلم الجاهل ما لم يكن يعلم، ويزداد البارع براعة. وعليه، فما حقق فيه التلميحُ المرادَ، لم يعدل عنه إلى التصريح،_ خصوصا في هذا المقام_ إذ ذلك ديدن القرآن الكريم والسنة المطهرة، بل أمر جرت عليه عادة العرب في خطابها، مثل الكناية… ولذلك ووعيا بخطورة هذه الممارسات السلبية وغيرها عمل المعنيون وعلى رأسهم الوزارة الوصية على التعاقد مع مؤسسات الأمن الخاص كي يؤمنوا على الأقل جزءا من باب المؤسسة. كما سعت جمعيات مدنية فاعلة إلى توعية الناشئة بخطورة هذا الوضع، بل إن مؤسسات تعليمية انتبهت إلى هذا الخطر الذي يوشك أن يعم الفضاء الداخلي لها، فنسقت مع الدرك الملكي أو الأمن الوطني من أجل القيام بدوريات بين الفينة والأخرى من أجل تمشيط المكان، وهو ما لقي استحسانا كبيرا من طرف المتتبعين، بل وحقق نتائج محمودة كما هو معاين. علاوة على ما سبق، لابد من تظافر الجهود قصد تأثيث الفضاء الخارجي للمؤسسات التعليمية ومحاولة وضع السبل العلاجية الكفيلة بالحد من خطورة الغرباء…مع الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين _بالغون غالبا_ بهذه الفئة من المتعلمين الذين لم يبلغوا _ أغلبهم_ الحلم،إضافة إلى وضع سبل علاجية للفئة المفسدة من تلاميذ المؤسسة، دون إغفال الجانب الوقائي للفئة الباقية، إذ الوقاية خير من العلاج. والتدابير الاحترازية تؤتي أكلها في أغلب الأحيان بإذن ربها ثم بحرص الساهرين عليها. وختاما، لابد من استكناه خطر هذا الحيز الخارجي للمؤسسات التعليمية، وعدم التقليل من شأنه، فالفضاء الداخلي للمؤسسة نسخة طبق الأصل عن فضائها الخارجين ولا ينبئك مثل خبير.