كان الناس في الجاهلية يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر إنما هو مشاركة من الطبيعة لموت عظيم من عظماء أهل الأرض، وصادف كسوف الشمس يوم وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، فقال الناس يومئذ: "إن الشمس قد انكسفت لموته حزنا عليه، وإكراما للرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يسكت صلى الله عليه وسلم على هذا القول الباطل، ولم يستغله لاستمالة القلوب للإيمان، أو لإضافة معجزة جديدة إلى آياته ومعجزاته الكثيرة، لأن الله أغناه بالحق عن الانتصار بالباطل. روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي".* إن الغاية السامية لا تبرر الوسيلة الدنيئة المنحطة، فلا يُتَوَسَّلُ للأغراض الدعوية أو التربوية بالكذب والالتواء.. ففي ديننا من القوة والنصاعة والنقاء ما يكفي عن البحث عن القصص المختلَقة، وعن الأحاديث الضعيفة والموضوعة والحكايات الغريبة.. فلو أنك استملت قلب رجل منحرف إلى باب الله بطريقة غير شرعية، كالزعمِ أنك رأيته في رؤيا منامية في حالة سيئة؛ فاعلم أنك سَتُؤْزَرُ حتى لو رأيت أن ذلك أدّى إلى مصلحة شرعية.. قال ابن مسعود رضي الله عنه: *"ألا وإن شرّ الروايا روايا الكذب، ألا وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل".* (الفوائد لابن القيم ص: 146). إن أولى الناس وأحراهم بتحري الصدق واجتناب الكذب هم الدعاة إلى الله، الذين هم في محل القدوة، وقد خاطب الله عباده المؤمنين بقوله: *{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.* [سورة التوبة: 119]. نسأل الله تعالى أن يعصم قلوبنا من الزيغ، وألسنتنا من الكذب.