هوية بريس – الخميس 16 يوليوز 2015 العلمانيون هم المغتصبون فاحذروهم قبل زمن قريب تداول الرأي العام المغربي حادث اغتصاب أمينة فيلالي وانتحارها بعد فترة من تزويجها قضائيا بمغتصبها، وها نحن اليوم أمام حادث آخر، حادث شاب في العشرينيات من عمره يغتصب فتاة من محارمه وهي في بداية الثلاثينيات من عمرها تعاني من إعاقة مركبة؛ ذهنيا وجسديا. وفي انتظار وترقب لحادث آخر أكثر إيلاما حيث أن المؤكد والمعلوم إذ لم يعد سرا يخشى إفشاؤه، أن بلدنا يعيش حالات اغتصاب يوميا، إلا أنها تمر دون الكشف عنها والترويج لها إعلاميا. والأنكى والأمر من هذا كله، أن هذه الأحداث تمر دائما دون الكشف عن الأسباب الحقيقية التي كانت وتكون وراءها. حيث يقف البحث أو يُوقفُ عند نقطة معاقبة الجاني دون البحث عن الدواعي الحقيقية التي كانت وراء الجريمة، وكأن هناك جهات تتخوف من مواجهة الحقيقة حيث تستشعر مسؤوليتها المباشرة عن هذه الجرائم. وإلا فما سر هذا الإعراض ونحن أمام حادث يقع كثيرا ويتكرر وقوعه. ومن ثم فمن غير محاربة دواعي الجريمة التي تكمن في نوع شخصية الجاني وتركيبته النفسية، لا يمكن إيقاف هذا النوع من الجرائم ما دام الباعث قائما. نحن لسنا أمام حادث عابر أو سلوك فردي، وإنما نحن أمام ظاهرة تستدعي النظر، الذي يكشف عن أن الاغتصاب لا يتفشى إلا في بلد ينشأ أهله تحت ضغط أفكار فاسدة ونظريات فاجرة ومبادئ منحرفة أسهمت في صنع وصياغة هذا النمط السيئ من شباب بل أفراد المجتمع. لا بد أن نتساءل عن سبب هذا المستوى المنحط من الانحراف والهبوط الأخلاقي؛ الذي بلغه بلدنا؛ والذي لم يقف عند حدود جريمة الاغتصاب فحسب، بل هناك دعارة، إجهاض، تحرش جنسي، خيانة زوجية، …، ارتفاع نسبة أبناء الزنا والأطفال غير الشرعيين؟ إن القضية أولا ليست قضية جريمة اغتصاب؟ إنما القضية هي قضية نشأة المغتصب إنها مسألة كيف صار هذا الشخص مغتصبا؟ وما هي الدوافع التي كانت وراء إقدامه على جناية الاغتصاب؟ هل أقدم على الاغتصاب، واختار لنفسه الانحراف على الاستقامة بعدما هيأ له مجتمعه أسباب العفة والإحصان والوقاية ؟ أم هو نفسه ضحية مجتمع سيء أنشأه نشأة سيئة؟ إن الحقيقة الواقعة هي أن هذه المضار التي نعاني منها، وهذه المصائب التي أصابتنا ويتأذى بها أبناؤنا ويؤذون ثمنها، هي نتيجة نكدة لمجتمع منهار القيم مصداقا لقول الله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}1. أو ليس تمجيد الفاحشة وتزيينها عبر وسائل التوجيه الرسمية، ومباركة الفجور والتشجيع على الاتصال الجنسي وتهييج النزوة الحيوانية بالرواية الفاجرة والفلم الفاحش والأغنية العفنة والأقلام الدنسة. وهتاف النساء في الشوارع بأجسادهن إلى الرذيلة؛ وحركاتهن المتقصعة؛ أليس هذا كله يثير شهوة الرجال؟ أما يعلم هؤلاء المتحررات وحاملات شعار "صايتي حريتي" أن الصدر العاري والإبط العاري والفخذ العاري والحركة المائعة والجسد الملتوي بالمشية المتكسرة والبسمة المثيرة تثير في الرجل كوامن شهوته؟ فما عسى شاب يافع أن يفعل -إن لم يرعه الله بمعيته- وقد نشأ في مجتمع المرأة فيه عارية في المجلة، عارية في السينما، عارية في الشارع، عارية في المدرسة، عارية في الجامعة، عارية في المتجر، عارية في المصنع، عارية في السوق، عارية في المكتب، عارية في الأغنية من خلال الكلمات العارية، عارية في القصة أليس هذا مما يُجن جنونه ويهيج شهوته ويزيد من حدة شوقه ولهفته ونهمه الجنسي. حتى إذا لم يجد ما يطفئ به نار شهوته صار عنده كبت يرفع من حدة ضغطه الجنسي، ينتج له اندفاعا غير مأمون، بحيث يبحث له عن صيد كيف ما كان، شريطة أن يكون سهل التناول؛ فتاة معاقة، طفل أو طفلة صغيرة، امرأة عجوز… عادة سرية بل حتى سمعنا أن هناك من ضاجع أنثى الكلاب والخراف والبقر والحمير أو جثة أنثى آدمية ميتة. ناهيك عما يتفشى عن هذا الضغط بتفشي العري وانتشاره في غياب وسائل الوقاية؛ من الأمراض النفسية والعصبية؛ كالجنون والقلق والاكتئاب، إلى غير ما أسهم به من أوضاع فاسدة. بل الأعجب من ذلك أن هذه الجمعيات المتصايحة من أجل تعرية جسم المرأة من اللباس، وهذه الفعاليات الحقوقية النسائية منها والذكورية المخنثة المتأثرة بالفكر العلماني التي تريد تعرية المجتمع من الحياء وذلك ليشيع فيه الانحلال، هم أنفسهم الذين يدافعون عن حقوق الإجرام والفساد ولا يستقبحون الفواحش باسم الحريات الفردية!! فالزنا عندهم من الحرية الفردية!! ومعاقرة الخمور من الحرية الفردية!! والممارسة المثلية من الحرية الفردية!! ثم هم ينشدون مجتمعاً طاهراً نظيفاً، فما أعجب حالهم! لكن مما يذهب هذا العجب، ويزيل الحيرة، ويطمئن القلب هو إدراك أن القضية في العمق هي ليست قضية صاية أو خرقة أو قماش؟ إنما هي قضية من يشرع ويقول هذا اللباس حلال وهذا اللباس حرام؟ إنها قضية لمن الحق في التشريع للعباد؟ إنها مطالب جمعيات علمانية تقوم على أساس رفض أحكام الله والإعراض عن دينه وعدم الاعتراف بشرعته. هذه هي حقيقة القضية بل المعركة. ثم الأعجب هو أن يتباكى أمثال هؤلاء عن ما وقع لمعاقة الجديدة!!! بالله عليكم صارحوا أنفسكم ولو مرة في عمركم: كم حالة زنا؟ وكم حالة تحرش جنسي؟ وكم حالة اغتصاب تشهده مجامعكم ومحافلكم ومهرجاناتكم؟ ثم من يتباكى عن ذاك الشاب وهو في مقتبل عمره؟ أليس أنتم الذين وسوستم في صدره، وأغريتموه بالعصيان، وزينتم له الفاحشة باسم التحرر، وحرضتموه على فعلها، وصددتموه عن الاستماع لدعوة العفة، وبعد فوات الأوان تخليتم عنه، ونفضتم أيديكم منه، ورميتموه بأبشع التهم؛ مجرم وحش… ألا يصدق فيكم بفعلتكم هذه المثل الشعبي القائل: "يبيع القرد ويضحك على لي شراه". إنها هكذا هي دائما وأبدا النهاية بين الخادع والمخدوع {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}2. إنه مشهد نقله لنا القرآن من مشاهد يوم القيامة، والله سبحانه يريه لنا في دنيانا بالعين المجردة، كأنما هو معروض اللحظة للأنظار، مشهود للعيان! حتى يدرك المفرط نفسه قبل فوات الأوان، حيث لا كرة هناك ولا رجعة ولا ينفع ندم ولا عتاب إنما هو الجزاء والحسرة ، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}3. نعم إنه يتحمل قسط ضعف شخصيته، وجرم تنازله عن عقله وتسليمه لضميره لمن يعبث بهما. لأنه لا أحد كان يملك إذلاله، لو لم يرض هو بإذلال نفسه والتنازل عن كرامته وإسلاس قياد نفسه للغاوين. حتى غلبت بهيميته إنسانيته، وعلت حيوانيته بشريته، ووقع في مستنقع الفاحشة. لا ينفعه يومئذ -إن لم يرجع اليوم إلى ربه- أنه كان مخذوعا، {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}4. فالضعف هنا ليس ضعف العذر، بل هو الجريمة التي يقترفها كل جان في حق نفسه، إذ وهب الله له عقلا وإرادة واختيارا، فأخضعهم للسفهاء من الناس. لكن المشين المعيب الغريب في مثل هذه الأحداث هو أن تعاقب الدولة الجاني بالفعل، وتترك الجاني بالدعوة والتحريض. أو ليس من أعان على فعل الفاحشة ولو بكلمة كمن فعلها؟!!! إن الإسلام يعتبر الأخلاق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها مجتمعه، صيانة للأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، ومحافظة على المجتمع نظيفاً عفيفاً شريفاً. فالفواحش في اعتباره جرائم أخلاقية تمس بكيان الجماعة وتهدد سلامتها. لذا هو يعمل أولا على وقاية أهله قبل أن يعمل على العلاج؛ يأمر بغض البصر، ويكره الاختلاط في غير ضرورة. ويحرم الخلوة. وينهى عن التبرج لإثارة الشهوات، وينهى عن الخضوع في القول الذي يحرك الغرائز، ويحض على الزواج، وينهى عن المغالاة في المهور، ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم، ويمنع كل أسباب الإغراء والغواية التي تهيج الميول الحيواني، إنها أسباب وقائية تقوم على أساس متين من الخبرة بالنفس البشرية لضمانة الطهر والتعفف في المجتمع {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}5. وهذا خلافا للعلمانية حيث هي ترى الفواحش من الأمور الشخصية التي تمس علاقات الأفراد دون الجماعة. وحسبهم هذا الفرق بين إسلامنا وعلمانيتهم. فمن يسوؤه صدقا ما وقع لأمينة فيلالي في القديم القريب، وما وقع حديثا لمعاقة مدينة الجديدة، وما سيقع مستقبلا في مجتمعنا حتما، لا يسعه إلا المطالبة جهارا بمبادئ الإسلام وتفعيل وسائله الوقائية، اعترافا على أنه دين أسمى وأفضل وأرقى من أن يقارن بالعلمانية الديمقراطية الحديثة التي لا تزال في تدن بمجتمعنا إلى مستوى دون البهيمية. (1) سورة الأعراف الآية 58. (2) سورة البقرة. (3) سورة البقرة. (4) سورة إبراهيم الآية 21. (5) سورة الملك الآية 17. [email protected]