باسم لله الرحمن الرحيم دأب بعض العلمانيين على شن حروبهم الدنكشوطية على الإسلام تشريعات وخطابا كلما وقعت جريمة هتك أعراض أو قتل بغير حق، ومن ذلك جريمة اغتصاب وقتل الطفل عدنان، ومما قرأت في تبرير جريمة اغتصاب الطفل حمزة وغيره من الضحايا، ما أوردته جريدة العمق الإلكترونية، إذ اختزل الكاتب، ككثير من أصحابه، ذلك في أن الدين يتحمل ذلك لكونه يحرم الزنا مما يضطر الشباب إلى اغتصاب من هو أضعف منهم، واتهم المجتمع في ذلك، وكأنه يبرر هذه الجرائم، وقلب ظهر المجن للمعتدى عليه، وألبس ذلك لبوس العلمية! ونص كلامه كما أوردته جريدة العمق" اعتبر المحلل النفسي المغربي جواد مبروكي، أن من الأسباب التي أدت إلى تزايد ظاهرة اغتصاب الأطفال هي غياب الحرية الفردية والحق في الجسد والجنس، مشيرا إلى أن ذلك يجعل العديد من الشباب "مكبوتين" ولا يستطيعون ممارسة الجنس مع أقارنهم، ما يدفعهم إلى تفريغ شحنتهم الجنسية على من هو أضعف منهم، أي الأطفال". وهذا الكلام مردود عليه من عدة وجوه: - أولا: غياب المنهج العلمي الرصين في توصيف الظاهرة من خلال التطرق لأسبابها، كما أن التعميم في مثل هذه القضايا ليس على إطلاقه، فالاغتصاب والقتل قد يكون بدوافع مرضية، وقد يكون بدوافع الانتقام، وقد يكون بدوافع أخرى - ثانيا: إقحام الدين والفقر فيه من التعسف الشيء الكثير، والدليل على ذلك وقائع كثيرة، والرد عليه سيأتي فيما بعد. - ثالثا: أن عدم الحرية الجنسية أو بعبارة أخرى عدم حرية الزنا والفجور، وهي عبارة دأب العلمانيون ودعاة الانحلال على ترديدها وإسقاط الطائرة فيها عند كل جريمة، وهذا لعمري، جانب فيه الدكتور الصواب والمنهج العلمي الحق، ونفند ذلك من خلال ما يأتي: - هل فعلا الحرية الجنسية غير موجودة في المغرب؟ يكفي أنه هو نفسه يدعو لها دون خجل ولا تردد، بل هناك، للأسف الشديد، دور الدعارة، والنوادي الليلية، ومشاهد ذلك لا تخفى على أحد في الشواطئ، بل في الشارع العام... - لو كان منع الحريات الجنسية هو السبب حقا، وهو ليس كذلك، هل البيدوفيلي الإسباني الذي اغتصب عددا من الأطفال المغاربة كان مكبوتا في إسبانيا، وقس عليه الأعداد المهولة من الأطفال الذين يغتصبون سنويا في بلد الحرية الجنسية، إذ تحتل الدول الغربية أغلب المراتب الأولى من حيث نسب الاغتصاب في العالم، بل ومنهم من يباع رقيقا أبيض في بلاد الحرية الجنسية أو من خلال السياحة الجنسية وغيرها. إن المطلوب اليوم، ليست هو تقنين الزنا، بل تجريمه وتربية النشأ تربية جنسية سليمة نابعة من ثقافتنا وديننا، الذي جاء ليرتقي بالإنسان من مجرد كائن التحت إلى الإنسان المستخلف، قال تعالى:( إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة، الآية: 30)، وخلافته تتأسس على تكريمه والرفع من شأنه، قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء، الآية:70)، وتكريمه يكون بجعل سلوكه سلوكا عقليا منضبطا، توجه فيه الغريزة لبناء الحضارة، فاعترف للإنسان بغريزته ومطالبها، قال تعالى:( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث) (آل عمران، الآية: 14)، لكنه جعلها غريزة واعية عاقلة، وحث على سبل تحقيقها ويعطيها قيمتها وقدسيتها، فحث على الزواج وتيسير أمره، قال تعالى:(وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم) (النور، 32)، وجرم الاعتداء عليها من خلال تشريع الحدود لكل من اعتدى عليها، ولو بالتوافق، حتى لا تهدر كرامة هذا الإنسان، ويحول إلى مادة بخسة للمتعة، ويصبح هذا سلعة تباع وتشترى كما نرى اليوم في الغرب. وإن ما يحدث الكبت الجنسي، ليس هو تحريم الزنا واللواط، كما يدعي العلمانيون والجنسانيون، وإنما هو ذلك القصف المتواصل للأطفال والمراهقين والشباب من خلال برامج إعلامية أهم مادتها الإثارة الجنسية، والتبرج ونشر الرذيلة باسم الفن والترفيه عن الناس، إن هذا يمثل إشعال نار محرقة تجاوزت بالإنسان حد الطبيعة إلى الشذوذ، أما الإسلام فقبل تحريم الزنا جاء بمنظومة علمية دقيقة تبدأ ببناء الإنسان الحضاري، الذي يعرف أن للجسد رسالة وقيمة، وله صاحب خالق حدد منهج التعامل معه، ثم علمه التعفف، وحثه على تفريغ غريزة في إطارها العاقل، كما بينا، وخلق بيئة نظيفة أخلاقيا بالدعوة إلى الحشمة والوقار بالحجاب وغض البصر، ثم حد حدودا صارمة تصد كل من يشكل خطرا على هذا البناء، وتفتح اماه بابا للصلاح والرجوع عبر التوبة. أما تبرير الشذوذ واغتصاب الأطفال والنساء بدعوى كبت الإسلام للناس بسبب تحريمه الزنا، فيرد عليه من خلال قولنا لهم: لم لا تبررون السرقة والاعتداء على ممتلكات الناس بنفس الدعوى، فالكبت المالي أشد من الكبت الجنسي؟!!! أليست السلطة غريزة، لم تحرمون القتل والتزوير والإرشاء من أجل الوصول إلى السلطة، إذ هي غريزة في الإنسان، وقس عليها بقية الغرائز، التي لو طبقنا عليها نفس المقولة خرب هذا العمران، وانهارت الحضارة. من خلال ما مضى نتساءل: أليس الخطاب العلماني الذي يدعو إلى الانحراف الجنسي والشذوذ ويطبل له نظريا وينزله عمليا عبر الإعلام وبعض مؤسسات الشعب المسلم المسيطر عليها، ثم يدافع عن كل مجرم ومنحرف بدعوى حقوق الإنسان!!! (نموذج العلماني الذي أنكر على الناس مطالبتهم بإعداد مغتصب الطفل عدنان) أليس هذا الخطاب هو الذي يشجع على هذا الانحراف وعلى الاغتصاب، ويجعل أعراض الناس عرضة للانتهاب كرها بالعنف أو بالإغراء؟؟؟ * الدكتور رشيد ناصري / أستاذ جامعي