الجمعة 03 يوليوز 2015 منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ظلت غوطة دمشق الشرقية محاصرة من النظام السوري، وعانى أهلها ما عانوه من جوع وانعدام الخدمات كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، بل انتفت مقومات الحياة البسيطة، وسط ذهول العالم مما يجري في سوريا من حرب سفكت دماء عشرات الآلاف من المدنيين، وتهجير ملايين من أبناء الشعب السوري في حرب تخطفتهم لم تبق لهم من الحياة إلا البؤس وشبح الموت. في الغوطة السورية ما زالت عشرات الآلاف من العوائل محاصرة تصارع من أجل البقاء، فما بين عجوز وشيخ وطفل وامرأة، وعلى مدى ثلاث سنوات حدثت أحداث وقصص لعلنا لم نكن نتوقع أن تحدث يومًا ما، نقص في المواد الغذائية والأدوية هو ما اعتاد عليه أهالي الغوطة؛ حيث اعتمدوا على الزراعة الموسمية والتخزين لسد رمقهم، كما امتهن الكثيرون مهنة طب الأعشاب لتعويض النقص الحاصل في الأدوية والعقاقير، المشاهد لأحوال الغوطة سيعرف حجم التأثير الذي خلفته الحرب والناتج من حصار قاس لا يفرق بين مدني ومسلح. وفي معرض جولة التقرير التقينا بالحاج عطية بكار تاجر سابق للقطع الفلكلورية الذي وصف الحال: "الغوطة معروفة بوفرة خيراتها ومزارعها واكتفائها الذاتي رغم اتساع رقعتها، فمدينة دوما تمثل مركز محافظة ريف دمشق، تجمع الغوطة الشرقية الطابعين المدني والريفي، فيحيط كل بلدة من بلداتها ريف واسع من المزارع والحقول بات اليوم ساحات حرب ومقابر دفنا بها أبناءنا، الوضع الإنساني وصل إلى أسوأ المراحل، ولا يمكن أن يكون هناك أسوأ من هذا، لكن نحاول أن نتعايش ونبقى على قيد الحياة، متأملين أن تنفرج الأزمة إن شاء الله". كما أن الجانب التعليمي في الغوطة أيضًا يعاني من وضع مأساوي ربما يؤثر على جيل من الأطفال فانعدام أدنى مقومات التعليم هنا لا يمكن عدم ملاحظته ورياض الأطفال معدومة، الطفولة في الغوطة الشرقية كما هو حال أغلب مناطق سورية تنزف نزفًا تحت نيران القصف ووطأة الحصار وانعدام التعليم. فريق ورد دمشق التطوعي المؤلف من ثلاثين شابًا وفتاة من أبناء وبنات الغوطة تأسس من ثلاثة شهور، كما قال في حديث خاص ل "التقرير"، يرأسه في الغوطة الناشط الإغاثي والإعلامي أبو باسم القابوني، حيث أضاف: "إن الفريق هو فريق إنساني تطوعي يعمل على توفير وضع أفضل للأطفال في الغوطة الشرقية لدمشق، كتوفير الحليب الذي بات نادرًا في الغوطة وفقدانه سبب سوء التغذية للأطفال في أول أعمارهم، وهذه كارثة وجب علينا تداركها، حيث فقدان الكثير من الأطفال سيؤثر على نشوء جيل وحصول فراغ زمني أو فارق في الأعمار، الطفولة اليوم تدفع ثمن حرب وحشية تجاوزت أهداف ومصلحة الشعب المنكوب، ونحن المدنيين من يدفع أغلى الأثمان من أرواحنا وأرواح أطفالنا"، وردًا على سؤال حول آلية عمل الفريق؛ أجاب: "نعمل على جمع التبرعات من السوريين المغتربين في الخارج ومن أهل الخير ومن بعض المتبرعين، حيث أعلنا عن حملتنا الأولى التي أطلقنا عليها اسم "ورد وحليب" شملت آلاف الأطفال في العديد من المناطق، في: حي القابون 780 طفلًا حي تشرين 761 طفلًا حي المرج 882 طفلًا بلدة زملكا 244 طفلًا ويتم الآن التحضير لبدء الحملة الثانية تحت نفس الاسم في كل من أحياء جوبر وعين ترما". وعن برنامج الحملة الذي اطلعت "التقرير" عليه قال أبو باسم القابوني: "إن الفريق يقيم كرنفالًا احتفاليًا للأطفال في كل منطقة يزورها لإعطاء الطفولة حقها؛ حيث يقام حفل للأطفال تتخلله فقرات ثقافية وتوعوية إضافة إلى ألعاب الأطفال كلعبة شد الحبل والرقص مع الشخصيات الكرتونية، ويتم توزيع الهدايا والعصائر والكعك للأطفال وإقامة فقرات تمثيلية يقوم بها عدد من الأطفال، وتكون الأولوية للأيتام ممن فقدوا ذويهم جراء القصف"، كما رد أبو باسم القابوني على استفسار " التقرير" عن طرق جمع التبرعات وكيفية إدخال الحليب والمستلزمات قائلًا: "إن جمع التبرعات وكيفية إيصال الحليب وبقية المستلزمات نتحفظ عليها خشية من الوضع الأمني، وأن يكتشف النظام فيقوم بقطع طرقنا، نحن لنا طرق خاصة أنشأناها بأنفسنا، ولا نريد لها أن تتعرض لأي منع أو أي استخدام آخر غير الإغاثة". وعن أي تسهيلات يتلقاها الفريق من أي من الفصائل، قال: "نحن نعمل بشكل مستقل ولا نريد الانخراط في عمل غير إغاثي أو نحسب على أية جهة؛ فمهمتنا إنسانية بحته وتتعامل مع الأطفال، وأي ارتباطات سيكون لها تداعيات ربما تعرقل أو توقف عملنا؛ فلهذا لن ننخرط بأي عمل خارج نطاق عملنا". ويضيف القابوني: "إن هناك صعوبة في التنقلات نتجاوزها بعد أن أصبح لفريقنا سمعته، ونحاول أن نجعل حملاتنا تغطي أكبر مساحة ممكنة من الغوطة؛ فالمأساة لا تشتمل على مكان دون غيره، فالكل في هذه الظروف القاهرة سواء، وكل الأطفال أمانة في أعناقنا ونسأل الله أن ييسر أمرنا ويزيل هذ الغمة عنا"، واستطرد قائلًا: "إننا نتعامل مع تجار لشراء الحليب بعد أن نجمع المال الكافي ونهيئ وسيلة النقل، ثم حين التهيؤ للتوزيع نخطر المنطقة المستفيدة بمكان إقامة الكرنفال وتوزيع الحليب واستصحاب الأطفال"، وختم القابوني حديثه الذي خص به "التقرير" بتوجيه رسالة إلى كل سوري مقتدر أن لا ينسى الأطفال ومعاناتهم وأن يبادروا للتخفيف عنهم. الجانب الصحي يشكو من كارثة على كل الأصعدة؛ حيث نقص المعدات الطبية والأدوية وكثرة المصابين والجرحى وانتشار الأمراض كل هذا يقود إلى نقص في القدرة على إنقاذ العديد من الأرواح التي لم تتوفر سبل إنقاذهم، كما يقول الدكتور وسيم ديراني العضو في المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة: "لا تتوفر إلا المستلزمات الطبية الأولية والأدوية التي يتم إدخالها عن طريق منافذ سرية بسبب الحصار، الكثير من الحالات تعاني وتفاقمت حالتها سوءًا بسبب نقص العلاج، لو توفر العلاج والمسلتزمات لكانت في حالة صحية أفضل وربما تماثلت للشفاء، نحاول أن نسير الأمور السيئة هنا بما لدينا من إمكانيات متواضعة ونحن نترقب انفراجًا لهذه الأزمة، وأن يتم فك الحصار؛ فالضحية الكبرى هي المدنيون، نعاني مشاكل كبرى في العمليات الجراحية، حيث كل الضحايا الذين يتم إسعافهم للمشافي جراء القصف وكل ضحية تقريبًا تحتاج لعملية جراحية وإلا يفقد حياته، المشكلة الطبية كبيرة جدًا أكثر من حصرها في تصريح، لكن هذا ما نعاني منه بشكل أساسي".