إن الأعياد في الأصل مناسبات سعيدة تملأ حياة الناس فرحا وألقا، وهي يوم مشهود، مجموع له الناس. لكن عيد الفطر لهذه السنة عيد لا كالأعياد، فأينما حللتَ وارتحلتَ تداعب هذه العبارة وأخواتها أذن السامع وتدغدغ مشاعره. فما لهؤلاء القوم سلكوا هذا المسلك وتواطأوا على ذلك؟ لقد اعتاد الناس طقوسا احتفالية كثيرة؛ أغلبها نابع من شريعة الإسلام؛ فالناس في حالة السواء؛أي: ما قبل الكورورنا، كانوا يشرعون في هذه الاحتفالات أياما ولياليَ قبل يوم العيد، فتجدهم، صغارا وكبارا، شيبا وشبابا، يزدحمون في الأسواق والمحلات التجارية، يبتغون اقتناء ما حلا وجَمُل من الكساء. وتزدان الأجواء وتتألق وتخلولق بلمسة خاصة، حين يصحب الأسرةَ أطفالٌ صغار،لا يقنعون –لبراءتهم– بهذا اللباس أو ذاك، وإنما يهيمون في كل ملبس حسن، يودون لو أن بينهم وبينه سبيلا، فلا يقنع الكبير ولا الصغير بما نالته يده واختارته طباعه، كلٌّ حسب طاقة الجيب وسعة رزقه، فمنهم المسرف ومنهم المقتر، ومنهم من يبتغي بين ذلك سبيلا. كل هذا في حالة السواء،لكن في ظل الكورونا لن يجدوا لذلك سبيلا؛ فهو عيد لا كالأعياد. نعم، لقد كان الناس يُعِدون، بموازاة ذلك، ما لذ وطاب ونضج وحلا ومَلُح من الحلويات بمختلف أنواعها، ناظرين بها اليوم الموعود، يوم السرور والحبور…يوم العيد حيث تمتلئ الموائد فرحا وسرورا، لكن مع كورونا، لن تحلو الحلوى ولن تطيب المائدة، مهما حملت من أشكال وألوان من ذلك. فلن تسعد عزيزي القارئ إلا أن تردد معي: عيد لا كالأعياد. في العيد، يتسابق الكبير والصغير لتحية الآخرين وتقبيل رؤوسهم، فتعم الفرحة، وتُزهر أزهار الحبور والسرور حين يحصل الصغار على " العيدية "،وحين يتباهون بروعة الثياب وجِدتها، ويتسابق الجميع لزيارة الأقارب، تلك الزيارات التي تعبر عن صلة الرحم التي حث عليها الإسلام في نصوص لا تخفى. لكن مع هذا الحجر الصحي الممتد عبر الزمان والمكان، فلن تجد الأسر لهذه الصلة سبيلا إلا رناتِ هاتفٍ، هنا وهناك، تهنئ بالعيد وترخي حسرتُها الظلالَ على الأجواء، فالقصد كان مباركة العيد، لكن تتابع الحديث يشذ بلِهزِمة أطراف المكالمة ومن حوله، فيجرهم جرا إلى الحديث عن كورونا، فتستحيل الفرحةُ حزنا وأسفا. فواأسفاهعلى عيد لا كالأعياد. في ظل الأجواء الروحانية المعتادة للعيد، يتسابق المسلمون لإخراج زكاة الفطر ومنهم من يتخذ رمضان محطة لإخراج زكاة ماله أيضا، فيعم الفقراءَخيرٌ كثير، يتمنى الواحد منهم لو دام واتصل، لكن هيهات فمنه ما ليس لله، فما دام وما اتصل بل انقطع وانفصل، هذا في حالة السواء، لكن في ظل الحجر الصحي تصبح هذه الزكاة بطعم خاص، لا يعرف قدره إلا فقير مسكين أو غني رحيم، يرددان، لازمة ستحفظها الأجيال: " عيد لا كالأعياد" وستجد لها موطأ قد في الأدبيات النثرية والشعرية، حالا أو مآلا. لا غرو أن صلا العيد، في حالة السواء، تؤدى بمصليات، فسيحة أرجاؤها، تجمع صنوف البشر، في مصلى واحد، وكأنه يوم الحشر الأكبر، الناس يأتون من كل حدب وصوب، رجالا وركبانا، وعلامات البِشر تلوح في أفق كل وجه، ثم تعلو الشمس مشرقة ترسل أشعتها الذهبية، مباركة للجميع هذا اليوم الأغر، وذلك الفلاح والنجاح، متيحةً للفقيه إلقاء خطبة، تشرئب لها الأعناقوتصغي لها القلوب قبل الآذان، وتتشرب معانيها الأفئدة، فتزكو النفوس، وتسمو الأرواح، ويزداد كل محسن للعبادة في الشهر الكريم فرحا إلى فرحه. ثم يقول الفقيه للناس: "بورك مسعاكم، ومن جاء من طريق فليعد من أخرى". يا حبيبي لن يأتيك أحد، فلا تقل إلا "عيد لا كالأعياد". إن معهود الناس والشرع أن يكون العيد فرصة سانحة لنسيان الخصومات والأحزان، غير أن الكورونا تعرقل كثيرا من ذلك. لكن رغم كل ذلك، فالأجواء الروحية للعيد، لابد أن تجد لنفسها سبيلا، وإن كانت مظاهرها المادية المحيطة بها غير مكتملة، باعتبار أن العيد في أصله مكافأة من الله سبحانه لعباده الذين خصصوا من وقتهم وجهدهم ومالهم حيزا لإرضائهسبحانه بالعبادات والمعاملات الحسنة، صياما وصلاة وزكاة وقياما، فكان أن خصهم سبحانه بالمكافأة الدنيوية وادخر لهم ثوابا أخرويا، يعظم ويَجِل بقدر جلالة العبادات. فلا تحزن يا صغيرين ولا تبتئس أيها الكبير، فما لنا إلا أن نعد العدة الصوتية بتدريب الحبال الصوتية على تجويد جملة "عيد لا كالأعياد" بعدأن كانت تتجمل بتجويد كلامك الله آناء الليل وأطراف النهار. وهكذا فعيد الفطر لسنة 1441، عيد بطعم خاص،لم يتذوق طعمه لا كاتب المقال، ولا قرائه، ولا ناشره. للتواصل: [email protected]