تعليقا على المسلسل المصري "الاختيار" كتب د. إدريس الكنبوري "لاحظت أن هناك حديثا كثيرا يتردد عن ابن تيمية في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وقرأت أن ذلك بسبب مسلسل مصري يعرض اليوم لا أعرف مضمونه ولم أشاهد شيئا منه لأنني أعرف سلفا النتيجة. والحق أنني عندما شرعت في كتابة كتابي الجديد الذي أنشره على حلقات في هذا الشهر المبارك عن ابن تيمية لم يكن يدور في خاطري أن الحديث عنه سيتجدد، ففكرة الكتاب تعود -كما يعرف بعض الأصدقاء- إلى أكثر من عام مضى، حين فكرت في تخصيص كتاب عن ابن تيمية وفق مقارنة علمية جديدة تستند على قراءة شمولية للمشروع التيمي في تاريخ الفكر العربي الإسلامي". وكشف المفكر المغربي أن "ابن تيمية ظلم كثيرا من الراضين عليه والساخطين عليه عل السواء، وهؤلاء هم الذين جعلوا ابن تيمية مقصورا على بضع صفحات من الفتاوى الكبرى، بينما مؤلفات ابن تيمية تملأ خزانة كاملة. وبسبب اتجاهنا الخطابي الدعوي الذي كرسته جماعات معينة وتيارات معينة صرنا نركز على فتاوى محددة في التكفير والتشدد، لأن الجوانب الأخرى لابن تيمية أشد تعقيدا. وأنا أدرك أن الكثيرين ممن يدعون أنهم يعرفون ابن تيمية لا يستطيعون أن يقرأو ا "درء تعارض العقل والنقل" بأجزائه السبعة لتعقيده وصعوبة هضمه، وهذا هو ابن تيمية الحقيقي، ابن تيمية مؤسس العقلانية، أما تلك الفتاوى التي يتخبط الناس حولها فهي بالنسبة لي تشبه خطبا لها مناسبات ألقاها شخص معين، لكننا صرنا نهتم بالخطب ونسينا الدستور". وأضاف "كما كان هناك تحريف لابن رشد حتى أظهروه بمظهر العاقل ناكر النص، كان هناك تحريف لابن تيمية حتى أظهروه بمظهر الناقل ناكر العقل. وكلاهما كذب في كذب في كذب. وهناك جماعة من المغفلين تنطلي عليهم أي لعبة، وقد غرسوا في أدمغتهم -والدماغ الذي لا يفكر يمكنك أن تغرس فيه حتى البلوط- أن ابن تيمية هو الفقيه الوحيد الذي أفتى بالجهاد والقتال في عصره، بل في كل عصر. وهذا يعني أن الفقهاء في عصره كانوا مجموعة من المتطوعين مع التتار، مثل أولئك المغاربة الذين تطوعوا مع فرانكو. وهذا يضحك البليد". ليوضح الكنبوري عقب ذلك بأن "ما من فقيه أو عالم في تاريخ الإسلام إلا له نصيبه من الدعوة إلى الجهاد والقتال ضد الغزاة. ولو أنك رجعت إلى خطب وكتابات بعض علماء المغرب وتونس والجزائر إبان الاحتلال لوجدت ابن تيمية دون ابن تيمية. ومع ذلك فأنا أزعم أن بعض الأمور دست دسا في فتاوى الرجل ليست له، فالرجل لديه نسق متكامل لم يؤت لغيره من العلماء والفلاسفة، وعقلية عبقرية كتلك التي صدر عنها "درء تعارض العقل والنقل" محال أن يكون لديها تناقض بين الأسس والنتائج". وختم الكنبوري تدوينة له على صفحته بالفيسبوك بقوله "لكن هناك ملاحظة لا بد أن نضعها في الاعتبار -نحن من يقرأ هذه التدوينة- وهي التالية: إن فتاوى القتل والجهاد لابن تيمية لا تهم سوى السياسيين في العالم الغربي والعربي، لأن لديهم من ورائها أهدافا سياسية لا بد أن تتحقق، أما في الدوائر الأكاديمية الأوروبية التي يهمها العلم فعلا ولا تنخرط في السياسة، فإن همها كله هو "درء تعارض العقل والنقل". فهذا هو الكتاب الذي يحير الباحثين في أوروبا حقا. إنه كتاب سبق الفلسفة الأوروبية الحديثة بقرون، ولكنه لا يزال حتى اليوم يتفوق عليها. بل إنك لتدرك بأنه قدم إجابات عن أسئلة طرحتها الفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر. أليست الفلسفة الأوروبية الحديثة سوى استكمالا للفلسفة اليونانية؟ فقد هضم ابن تيمية الفلسفة اليونانية وأسقطها أرضا بمنتهى العبقرية التي لم تؤت لأحد غيره، ولا يزال الباحثون الأوروبيون حتى اليوم يتحيرون كيف أن ابن تيمية كان أول من أسقط منطق أرسطو، وسبق فرانسيس بيكون بقرون في الثورة على المنطق الأرسطي. ولكننا نحب الأسماء الأجنبية ونتعشق الغربة"اه.