كثيرا ما أهم بالكتابة عن هذا الموضوع حتى إذا استوت لي أفكاره على سوقها وأقمتها على أوفى ترتيب تذكرت أن الناس اليوم مهوسون بالتفسيرات السطحية للأمور قد شغفوا بالنظر إزاء أنوفهم لا يتجاوزون أرنبتها…فأعدل عن هذا الأمر وأسيخ سمعي للحكمة القائلة أنْ ما ترك من الجهل شيئا من أظهر في الوقت ما ليس منه … ترددت في ذلك مرات وكرات وأنا أرقب أحوال الناس في هذا الموضوع كلما ذُكر لهم أن الدولة الفلانية تهم بالسيطرة على بقعة ما تحقيقا لمصالحها إلا احمرت أنوف بعضهم وزعموا أن ذلك نظرية المؤامرة!!!! أقول متوخيا الإيجاز، وموجها كلامي إلى من يخصه الأمر…. أنت تتخيل أن العالم منقسم إلى كواكب، كل دولة تعشش على كوكبها الخاص ولذلك كلما قيل لك إن الناس قد جمعوا لكم قلت دعك من نظرية المؤامرة! ولو أنك تنزلت للواقع فرأيت أننا نعيش على بقعة صغيرة نتشارك فيها كل الثروات التي تتقاتل الدول لتحصيلها لاستوعبت جيدا ما يجري أمام ناظريك من الأحداث الجسام والتي تصم عنها أذنيك مُأَولا إياها بسذاجة وزاعما أنك لا تؤمن بنظرية المؤامرة! وأخشى إن عدت بك إلى عقود خلت واستجلبت لك ألوف الأحداث التي تكشف لك حقائق السياسات أن تفر فرارك من قسورة من هول ما تشهده من أنباء عظام تقضي على فهومك المسطحة للوقائع الجارية… ثم أعود بك إلى أم المهازل فأقول أتدري ما المؤامرة؟ المؤامرة التي أُنكر وقوعها هي أن تستفرغ جهة ما كل جهدها تكيد لك للقضاء عليك لكونك تخالفها في ما تذهب إليه من فكر أو عقيدة.. ! أقول إن الناس أغنى من أن يشغلوا أنفسهم بهاته المهازل، وإن كانت المؤامرة التي تنكرها هي هذه فنحن متفقون إلى أبعد حد! لكن للأسف أنت تفهم المؤامرة فهما خاطئا، فتسمي سياسات الدول التي تسعى جاهدة للحفاظ على كيانها ومصالحها بها مؤامرة وهذه لعمري أم المهازل!!! ثم أزيدك فأقول، قد تلجأ الدول أيضا لمحاربة أنواع من الفكر بل لاستئصال شأفته من جدوره قبل أن يستفحل أمره ويستبحر عمرانه! وهذا أمر يفهمه كل من له أدنى اطلاع على تواريخ البلدان وعلى سياسات الدول! ذلك أن الفكر هو الدولة، أعيدها لك بطريقة أخرى: الدولة هي الفكرة! فلا تنتظر من دولة ترى فكرة ما مهدِّدة لوجودها وكيانها ثم تجلس تنتظر استفحالها وتقوي شأنها حتى يصبح لها جيشا عرمرما يقلب كل توازنات التاريخ والجغرافيا! فهذا من المحالات في عوالم السياسة.. واعلم أنك ما احتميت بتروس الإنكار إلا عندما اجتاحتك جيوش من الأفكار الهزلية التي إذا رأى أصحابها ذبابة تسلح على ثوب زعموا لك أن ذلك كيد ومكر! أقول لك: قد حق لك الفرار من هاته السخافات لكن لا تفر من غلو إلى غلو أنكى منه!